
الدكتورة أسماء أبو عبيد ، رفيقة القلب والدرب، وصوت الذكريات العذبة الذي لا يخفت ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في كل درب نمضي فيه في هذه الحياة، هناك أشخاص لا يمرون عبورًا عاديًا، بل يتركون فينا بصمة كالنقش على الحجر، لا تمحوها الأيام، ولا تغيبها المسافات. ومن بين أولئك الأوفياء الذين غزلت معهم الأيام خيوط أجمل الذكريات، تقف الدكتورة الصديقة والأخت الغالية أسماء أبو عبيد، بثباتها وطيبتها وبهاء روحها، كواحدة من أثمن الهدايا التي منحتني إياها رحلة الحياة.
عرفت أسماء منذ نعومة أحلامنا، حين كنا نخطو خطواتنا الأولى على عتبات العلم والمعرفة. كانت كنسمة دافئة في صباح شتوي، تبهج القلب وتؤنس الروح. شاركنا مقاعد المدرسة، ورافقنا بعضنا في ليالي الدراسة الطويلة، وفي أروقة التعب والسهر، وكان قلبها كما عهدته دائمًا، ملاذًا آمنًا يشبه حضن الوطن، حين تضيق بنا دروب العالم.
ما زلت أذكر تلك اللحظات التي لا تُنسى، حين ودّعت والدها رحمه الله، فكان الحزن ثقيلًا على قلبها، وكنت بقربها أواسيها، كغيمة تهمي بلطف على شجرة أنهكها الفقد، نحتضن الألم معًا ونتشارك الصمت والدعاء. ورغم الألم، نهضت أسماء بكل عزيمة، كزهرة برية تأبى الانحناء للعاصفة، ومضت في طريق العلم بثبات يحاكي الجبال.
ثم شاءت الأقدار أن تسافر إلى ألمانيا، حيث أكملت مسيرتها الأكاديمية بكل شرف، بين أروقة العلم وعبق الغربة. فأنجزت الماجستير، ثم الدكتوراه، وكانت وما زالت صوتًا فلسطينيًا عاليًا يصدح في محافل العلم، حاملة معها وطنها في قلبها وراية التميّز في عقلها.
ورغم المسافات التي حاولت أن تنسج بيننا بُعدًا، إلا أن صداقتنا بقيت كما عهدناها، كخيط من ذهب لا ينقطع مهما شددته الظروف. كنا ولا زلنا نتواصل، نُفرح قلوب بعضنا بالنجاحات، ونسندها إذا ما تعثرت. تفرح أسماء لي وكأنها أنا، وأفرح لها كأنني فيها. هكذا تكون الأرواح النبيلة حين تلتقي، تعبر حدود الوقت والمكان لتظل مخلصة للنقاء الأول.
فخورٌة جدًا بكِ يا أسماء، فخورٌة بكل ما حققتِه في ميدان البحث العلمي، بما تحمليه من فكر ناضج، وأخلاق رفيعة، وطموح لا يعرف سقفًا.
أثرك خالد، لا يبهت، تمامًا كأثر المطر حين يروي أرضًا عطشى، فينبت منها الفرح.
شكرًا لصداقتك، لوفائك، ولأنك رفيقة دربٍ لا تُقدّر بثمن.
ومهما بعدت بيننا المسافات، تبقين في قلبي، يا أسماء، دائمًا الأقرب.