
الصديقة والأخت سبأ عوض ، زهرة طفولتي ورفيقة أيام الدرس والحلم ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في رحلة العمر، تمرّ بنا الوجوه وتتغير المواسم، ولكن بعض الأرواح تبقى حاضرة في القلب كما تبقى رائحة الياسمين في الذاكرة، عالقة لا تُمحى مهما مرّ الوقت. ومن بين أولئك النادرين الذين نقشت الأيام أسماءهم على جدران القلب، كانت الصديقة والأخت والرفيقة الأستاذة سبأ عوض، رفيقة الطفولة ومقاعد الدراسة، وتوأم الفكر والروح.
عشنا معًا أجمل مراحل العمر، تلك المرحلة التي يُكتب فيها القلب بالحبر النقيّ، حين كانت أرواحنا طريّة كأجنحة الفراشات، لا تعرف سوى الصفاء والبراءة. جلسنا على المقاعد نفسها، تبادلنا الكتب والدفاتر، الحكايات والضحكات، وكأننا غيمتان في سماء واحدة، تسيران معًا متلاصقتين رغم اختلاف الرياح.
كانت سبأ — ولا زالت — نموذجًا فريدًا للخلق الرفيع والتواضع الجمّ. عبقرية في الرياضيات، تعشق الأرقام كأنها موسيقى سرّية لا تُفهم إلا بلغة قلبها، بينما كنت أعشق اللغة الإنجليزية وأعيش بين كلماتها. فكنا نتكامل كما تتكامل الشمس والقمر في لوحة السماء، كل واحدة منا تعين الأخرى، وننثر على طاولتنا الصغيرة بذور الأحلام والطموحات.
كنا نكتب معًا رسائل الأمل على هوامش الكتب، ونتقاسم ساندويشات الفسحة كما لو أننا نتقاسم العالم، وندعم بعضنا كما لو كنا جبلًا واحدًا في وجه كل امتحان. مرت الأيام، وتباعدت الطرق، لكن لم تتباعد الأرواح… فبعض الأصدقاء، وإن أبعدتهم المسافات، تظل أرواحهم تزورنا عند كل ذكرى، وتبتسم لنا في كل إنجاز.
وها هي سبأ، كما عهدتها، لا تزال تسير على درب التألق، تضع بصمتها الهادئة أينما حلّت، تشبه النسيم الذي لا يُرى ولكنه يُنعش الروح، وتظل عيناها تتحدث بلغة الطيبين الذين لا ينسون من شاركوهم الحلم ذات صباح.
كم أنا فخورة بكِ يا سبأ، فخورة بإنجازاتك، برقيّك، بثباتك الجميل على المبادئ والقيم، فخورة لأنني عرفتك يومًا، ولأنك لا زلتِ تفرحين لفرحي كما كنتِ، وكأن الزمن لم يتبدل.
ستبقين دائمًا وردة لا تذبل في بستان القلب، وصوتًا عذبًا يهمس في ذاكرة الطفولة: هنا كان لنا عمرٌ جميل لا يُنسى.
شكرًا لكِ… لأن أثرك طيّب وجميل، ولأنك من تلك الأرواح التي تشبه النُبل حين يتجسد في إنسان.
ومهما باعدت الأيام بيننا، تبقين بالقلب، غاليتي سبأ.