
العدالة التنموية في الضفة الغربية: من يخطط لمناطق (ج)؟ ، بقلم: د. عمر السلخي
في فلسطين، لا تُوزّع التنمية بعدالة، فبينما تحظى مناطق (أ) و(ب) بحصة الأسد من مشاريع البنية التحتية والخدمات، تبقى مناطق (ج)، التي تشكّل نحو 60% من أراضي الضفة الغربية، فضاءات محرومة من أبسط الحقوق التنموية، رغم كونها الأغنى جغرافيًا وزراعيًا وسكانيًا في كثير من الأحيان.
ومع أن المجالس البلدية والقروية في هذه المناطق تبذل جهودًا كبيرة لإعداد خطط محلية استراتيجية وتنموية، إلا أن السؤال الجوهري يظل قائمًا: من يملك حق التخطيط فعليًا في مناطق (ج)؟ وهل تتحقق العدالة التنموية حقًا في ظل احتكار الاحتلال لصلاحيات التنفيذ؟
مناطق (ج)… جغرافيا بلا سيادة
وفقًا لاتفاق أوسلو (1995)، خضعت مناطق (ج) للسيطرة الإسرائيلية الكاملة أمنيًا وإداريًا وتخطيطيًا، ما يعني أن أي مشروع تطوير أو بنية تحتية يحتاج موافقة “الإدارة المدنية” التابعة للاحتلال، هذه السيطرة تُحوّل السكان الفلسطينيين إلى “ضيوف مؤقتين” في أراضيهم، وتُجرّد المجالس المحلية من دورها الحقيقي كفاعل تخطيطي، تظهر الخطط التنموية الاستراتيجية لبلدات الزاوية، دير بلوط، كفر الديك، وبديا (2018–2021) في محافظة سلفيت والتي تشكل نسبة أراضي ما يسمى (ج) فيها 75% ، كيف أن معظم المشاريع المقترحة في قطاعات الطرق، والصحة، والتعليم، والمياه، والكهرباء، موجهة نحو مناطق (ج)، لكن معظمها يُمنع أو يُؤجّل أو يُجمَّد بسبب الاحتلال.
مظاهر التهميش التنموي
رغم اجتهاد البلديات في تشخيص الحاجات المحلية، ومشاركة المجتمعات في إعداد الأولويات، إلا أن الواقع يظهر فجوة عميقة في العدالة التنموية، يتجلّى أبرزها في:
⦁ عدم قدرة البلديات على ربط مناطقها الريفية بشبكات الصرف الصحي، بسبب القيود الاحتلالية.
⦁ حرمان آلاف الدونمات من الزراعة أو البناء بحجة وقوعها خارج المخطط الهيكلي المعتمد إسرائيليًا.
⦁ فقدان القدرة على صيانة الطرق أو تطويرها في المناطق المصنفة (ج).
⦁ هدم المنشات ومصادرة معدات البناء بحجة عدم الترخيص ووجودها في مناطق (ج).
⦁ منع البلديات من إنشاء مدارس أو عيادات في بعض المناطق الطرفية بذريعة “البناء غير القانوني”.
وهكذا، يتحوّل مفهوم التنمية من “حق” إلى “امتياز مشروط بالموافقة الاحتلالية”.
ازمة السياسات الوطنية… مركزية بلا حماية
رغم مركزية السياسات التخطيطية في السلطة الفلسطينية، إلا أن غياب استراتيجية وطنية واضحة لإدارة التنمية في مناطق (ج) يجعل البلديات تواجه الاحتلال منفردة، في ظل غياب صندوق تنمية مستقل خاص بمناطق (ج)، وغياب أدوات قانونية لردع الهدم أو الضغط السياسي، يبقى التخطيط جهدًا رمزيًا لا يُترجم إلى واقع، فالخطط المحلية التي أُعدت بين 2018–2021، رغم جودتها ومشاركتها المجتمعية العالية، تعاني من:
⦁ عدم الربط بينها وبين المخططات الإقليمية أو القطاعية المركزية.
⦁ ضعف في آليات التمويل التنموي المُنصف جغرافيًا.
⦁ عدم تخصيص موارد كافية للمرافعة الدولية حول الحق في التخطيط والحماية القانونية.
من يخطط فعليًا في مناطق (ج)؟
الحقيقة المُرة أن الاحتلال الإسرائيلي هو المُخطط الفعلي في مناطق (ج)، هو الذي يُرسم الحدود، ويُقرر من يزرع ومن يبني، ويُحدد متى تُنفذ المشاريع، وما يُهدم منها، وفي مقابل ذلك، تُحوّل البلديات إلى جسم تنفيذي محاصر، عاجز عن فرض رؤيته، أو حتى حماية مكتسباته البسيطة، بل تُظهر بعض حالات كفر الديك ودير بلوط أن الاحتلال يُصدر أوامر بوقف العمل في مشاريع ممولة أوروبيًا أو دوليًا، بحجة عدم الترخيص الإسرائيلي، وكأن الحق الفلسطيني بالتنمية مشروطٌ برضا من ينتهك الأرض والكرامة معًا.
نحو عدالة تنموية محمية
إن تحقيق العدالة التنموية لا يعني فقط توزيع المشاريع جغرافيًا، بل أيضًا حماية الحق في التخطيط والتنفيذ من التدخلات القسرية، ومن هنا، فإن أولويات المرحلة القادمة تشمل:
⦁ إنشاء إطار سياسات وطني خاص بمناطق (ج)، يشمل التخطيط، التمويل، والحماية القانونية.
⦁ تدويل الحق في التخطيط بوصفه أحد حقوق الإنسان الأساسية، ورفعه كملف دائم أمام المؤسسات الدولية.
⦁ بناء شراكات استراتيجية بين البلديات، والمجتمع المدني، والمؤسسات الحقوقية للدفاع عن الحيز العمراني الفلسطيني.
⦁ إلزام الجهات المانحة بمراعاة العدالة الجغرافية، ورفض شروط الاحتلال في تمويل المشاريع.
⦁ تطوير منصات معرفية وتوثيقية تُبرز أثر الحرمان التخطيطي على السكان، والمجتمع، والبيئة.
لا تنمية دون سيادة
العدالة التنموية لا تبدأ من المشاريع، بل من الاعتراف بالحق في التخطيط، وفي فلسطين، فإن مناطق (ج) ليست مجرد ضواحي مهمشة، بل جبهات يومية للمواجهة والتخطيط والمقاومة، ومن يخطط لمناطق (ج) فعليًا؟ ليس الاحتلال فقط… بل كل من يصمت عن انتهاك الحق في الحيز.