
الضفة الغربية…إلى أين؟؟؟ بقلم : بديعة النعيمي
منذ استيلاء دولة الاحتلال على الضفة الغربية وشرقي القدس عام ٦٧، كانت سياسة هدم المنازل والمنشآت الفلسطينية قد شكلت واحدة من أبرز أدواتها في فرض السيطرة وإعادة تشكيل الجغرافيا الديموغرافية بما يخدم مشروعها الاستيطاني الإحلالي. وقد وثق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان مؤخرا تصعيدا خطيرا في هذه السياسة، حيث نفّذ الاحتلال في غضون عشرة أيام فقط، خمسة عشر عملية هدم، دمر خلالها ٢٤ منزلًا و ٥٨ منشأة، وهو مؤشر على توجه متسارع نحو تطهير مساحي جديد.
هذه السياسة ليست معزولة عن السياق الاستعماري الطويل، بل هي امتداد لمنظومة أيديولوجية بدأت مع المشروع الصهيوني نفسه الذي رأى في الأرض الفلسطينية “أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض”. لكن الواقع الحقيقي يقول أن الشعب الفلسطيني موجود ومتجذر في أرض أجداده، وله حقوق تاريخية وسياسية وثقافية.
سياسة الهدم ليست بالجديدة، فمنذ عام ٤٨ ودولة الاحتلال تستخدم آليات الهدم بشكل ممنهج. حيث هجرت ما يزيد عن 750 ألف صاحب حق من الشعب الفلسطيني، ودمرت أكثر من ٥٠٠ قرية.
ثم تكرّر المشهد ذاته بعد عام ٦٧, حين هُدمت أحياء بأكملها في القدس مثل حي المغاربة.
اليوم، يُمارس الهدم تحت ذرائع قانونية زائفة، مثل البناء “غير المرخص”، رغم أن ما تسمى بسلطات الاحتلال نادرا ما تمنح الفلسطينيين تصاريح للبناء، بينما تسهل التوسع الاستيطاني بوتيرة متسارعة.
هذا الاستخدام “القانوني” للهدم ليس إلا غطاء لسياسة تهدف إلى تقليص الوجود الفلسطيني بل والتخلص منه، خاصة في المناطق التي تستهدفها دولة الشتات للضم الفعلي، مثل القدس والمنطقة التي يطلق عليها بالمنطقة “ج” والتي تشكل ٦٠% من الضفة الغربية.
سياسة الهدم تنتهك بشكل صارخ القانون الدولي المزيف، واتفاقيات جنيف الرابعة التي تحظر تدمير الممتلكات في الأراضي المحتلة إلا “للضرورة العسكرية” القصوى، وما أكثر ضرورات دولة الاحتلال!!.
كما تنقض قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة التي أكدت مرارا عدم شرعية الاستيطان ووجوب وقف جميع الإجراءات الأحادية. ومع ذلك، تستمر دولة الاحتلال بالإفلات من العقاب، مدفوعة بدعم دولي، أو على الأقل بصمت دولي، يُفسَّر في الغالب على أنه ضوء أخضر للمضي قدما. ومن يقرأ تاريخ الجمعية العامة ولمَ قامت، سيعرف أنها من المظلات السياسية التي تحمي هذه الدولة منذ ١٩٤٨.
والجدير بالذكر أن عمليات الهدم ليست فقط تدميرا ماديا بالنسبة للفلسطيني، بل هو تدمير اجتماعي واقتصادي ونفسي. فالعائلات تُشرّد، والأطفال يفقدون شعورهم بالأمان، والمجتمع يُضعف من الداخل. بالإضافة إلى أنه رسالة سياسية واضحة،، أن هذا الفلسطيني غير مرحّب به في أرضه، وأن أي محاولة للثبات ستُقابل بالقمع، والمتتبع للأحداث سيكتشف ذلك..
كما سيكتشف بأن المحافل الدولية تقف خلف ذلك كله بدعمها الفاضح له، بما فيها المحاكم الجنائية الدولية. ولن ينفع ما ينقله الإعلام لهذه المحافل من حقيقة أن هذا التصعيد في سياسة الهدم، ما هو إلا جزء من محاولة الدولة المارقة فرض “حقائق على الأرض” قبيل أي تسوية سياسية محتملة، لتظهر فيها كأنها تحكم وقائع لا يمكن الرجوع عنها.
غير أن التاريخ الفلسطيني علمنا أن الجغرافيا قد تُجرح، لكنها لا تُمحى، طالما بقي هناك شعب يؤمن بعدالة قضيته ويتمسّك بأرضه.