
الدراما العربية المعاصرة تغريبة فكرية بغيضة ، بقلم : إيمان مرشد حماد
يقول الملك لير في المسرحية الشكسبيرية التي تحمل اسمه ( النضج هو كل شء) ، ومنذ أن قرأتُ هذا الاقتباس بدأت أشعر بحجم ما نلاقيه حتى نصل إلى النضج ، والأهم وجدت أن كلمة نضج هي قاسم مشترك بين الفاكهة والإنسان فكلانا يسقط بعد أن ينضج ولا أحد يموت دون أن يسقط ارضا.
ولكن مؤخرا بداتُ اظن بأن أحد أسباب موتنا هو عندما تموت ذاكرتنا ، أو عندما ننظر حولنا فلا نعرف أحداً ولا نألفُ مكاناً. اعتقد اننا نموت لأننا نفتقد من نحبهم ، ونفتقد الجمال الذي أدمناه في حضورهم فالجميلون يجسدون اشتياقات أرواحنا ويصورون جراحنا على شكل مشاهد تستوطن الذاكرة.
وأعتقد أن أبناء وبنات جيلي أصبحوا يشعرون بهذا الانحطاط الذي يحيط بنا ونحن من تعودنا على الفن الهادف والذي يوصل رسالة قيمية فريدة. نحن الجيل الذي شاهد في رمضان مسلسل موسى بن نصير وعقبة بن نافع وتابع في الأيام العادية تغريبة بني هلال، والمال والبنون، وليالي الحلمية والشهد والدموع، وهبوب الريح ورأفت الهجان واربسك. ومن كل متابعة خرجنا بقيم ومبادئ رافقتنا طوال حياتنا.
كانت الدراما التلفزيونية هي عبارة مباراة حامية بين الإنتاج السوري والمصري للفوز بقلب وعقل المشاهد العربي. ولكن ما الذي يحدث الآن بحق السماء؟؟؟!!! فبمجرد ما تشاهد مشهداً واحداً من الدراما التلفزيونية تشعر بالغثيان أكثر من جون سارتر في رواية ( الغثيان) تريد أن تستفرغ حرفيا : عُري مقرف ، راقصات رخيصات، مواضيع مقززة عن علاقات زنا ، وعلاقات محارم وخيانة زوجية واستباحة للمحرمات، خمور ومخدرات تُروّج بطريقة جذابة للمراهقين . كل التابوهات أصبحت تُعرض بطريقة اعتيادية وكأنها واقع وفيها شرعنة لكل ما هو محرم. أصبحنا نشاهد الحديث عن اختلاط الأنساب وكانه ظاهرة اعتيادية حتى اصبح فحص الDNA فحصاً شائعاً وكانه من الطبيعي ان يشك الرجل بنسب أولاده.
ولا يكفي أننا هربنا من التلفاز حتى أصبح هناك فيديوهات قصيرة( تُدحش) في أنوفنا عندما نتصفح الفيسبوك ولسان حالنا يقول ( خلص …خلص بلا قرف بدناش نشوف) . ما يجري هو كيّ للوعي ونشر للرذيلة وانسلاخ عن القيم والجمال والأخلاق. بالله أوقفوا هذه المهزلة فقد بدأنا نحصد آثارها المرعبة في الأجيال الممسوخة فكرياً و والمنسلخة عن قيمها ودينها وعاداتها الجيدة ناهيك عن وطنيتها. اعرفتم لماذا بكت الجماهير الملتزمة على رحيل حاتم علي؟ لأننا ببساطة نكاد نجزم انه بعد التغريبة الفلسطينية ستاتي التغريبة الفكرية…
فاين هو الفن الهادف الذي يعتبر لغة إنسانية خالدة تمتلك في طياتها القدرة على التأثير الإيجابي ونشر الوعي والتشجيع على القيم البناءة التي ستُحدثُ التغيير المنشود في المجتمع. ٠نحن الآن أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى الدراما المتميزة التي تشكل جسرا بين الماضي والحاضر، بين العاطفة والفكر لتشكيل رؤية مستقبلية أكثر إشراقاً، فالفن الهادف يظل إداة لتحفيز النقاشات المثمرة وتوحيد القلوب على الأهداف النبيلة المرتبطة بنهضة الامم ، وهو ايضاً ضرورة حضارية وثقافية وليس مجرد وسيلة لهدر الوقت وتشتيت الوعي الذي يؤدي إلى مسخ الجيل وتشويه قيمة.
إيمان مرشد حماد