
موسيقى الغيوم..لوحات تتغير مع الوقت ، بقلم : هدى زوين
نحيا الحياة، نركض بين تفاصيلها، نغرق في صخبها، فننسى أحيانًا أن نرفع رؤوسنا للسماء.
لكن حين نتعب، حين تكلّ أرواحنا من الركض، نلتفت للأعلى دون وعي… فنراها.
الغيوم.
كأنها كائنات سماوية ترقص على نغمات لا نسمعها، لكنها تخاطب فينا شيئًا عميقًا لا يُفسَّر.
حينها فقط، ندرك أن الحياة تشبه الغيوم أكثر مما نظن.
في الصباح، تسير الغيوم بخفة فوق رؤوسنا، ناعمة، بيضاء، كأنها أحلام لم يمسسها اليأس بعد.
بياضها يحمل طهر البدايات، تلك اللحظات الأولى التي لا تشوبها خيبة، التي لا تزال تؤمن بأن الغد يحمل خيرًا كثيرًا.
تتمايل كأجنحة الملائكة، تبعث في النفس رجفة دفء وطمأنينة، كأنها تقول لنا: لا زال في العمر فسحة، لا زالت الأماني ممكنة.
وفي زوايا الغروب، تتبدل اللوحة.
تتشكل ألوان حارّة، بين الأحمر والبرتقالي والرمادي.
غيمة تميل للخجل، وأخرى تتهامس مع قرص الشمس الراحل، وثالثة كأنها تبكي بلون غامق حزين.
وكأن كل غيمة تحمل قصة لم تُروَ، أو حزنًا لم يُفصح عنه، أو اشتياقًا عالقًا بين السماء والأرض.
إنه وقت التحوّل، حين تشبه الغيوم مشاعرنا المتقلبة: بين من ودّع، ومن ينتظر، ومن يكتفي بالصمت.
الغيوم لا تأتي من فراغ، ولا تمضي دون أثر.
هي رسائل السماء، بريدها الأبيض الرمادي، وموسيقاها التي لا تُسمع بل تُحَس.
هي انعكاسات لقلوبنا، حين نعيش بحذر، حين نحب بصمت، حين نحزن بلا دمع، وحين نرجو دون كلام.
كل غيمة مرآة، تُري كلٌّ منا وجهه الخاص.
هناك من يراها ممرًا للخيال، وآخر يجد فيها أمانًا، وثالث يقرأ فيها وجعًا يشبه وجعه تمامًا.
وهناك غيوم ثقيلة، تمطرنا فجأة، كأنها لا تحتمل كتمانها أكثر. وهناك أخرى تكتفي بالمرور، كمن يطرق الباب ويختفي.
أليست حياتنا كذلك؟
تمتلئ وتفرغ، تشرق وتغيب، تحملنا وترمينا، ثم تعود من جديد بشكل آخر، بلون مختلف، بنغمة جديدة.
إننا بحاجة لأن نتأمل السماء أكثر.
أن نتعلّم من غيومها فن التغيّر، فن التماهي، فن التخلّي دون أن نفقد ملامحنا.
أن نكون مثل الغيوم: نمرّ، نعم، لكن نترك أثرًا، ولو كان ظلًا ناعمًا على وجه النهار.
حين تشعر بأن الحياة باتت ضيقة، لا تطرق أبواب البشر… اطرق باب السماء،
ارفع عينيك، وتحدث مع الغيوم.
قد لا ترد، لكنك ستشعر بأنها تفهمك.
وهذا يكفي.