
مسار الصين نحو الحضارة الإيكولوجية: نموذج جديد للتنمية المستدامة عالميا ، بقلم : ريماس الصينية
في ظل التحديات العالمية الناتجة عن تغيّر المناخ، حققت الصين في السنوات الأخيرة إنجازات بارزة في مجال التنمية الخضراء. ومن خلال التوجيهات السياسية، والابتكار التكنولوجي، وتحديث الصناعات، لم تحسن الصين جودة بيئتها بشكل فعّال فحسب، بل قدمت أيضا “الحل الصيني” لبناء حضارة إيكولوجية عالمية.
القيادة السياسية: بناء نمط جديد للتنمية الخضراء
تولي الحكومة الصينية أهمية كبيرة للتنمية الخضراء، واعتبرتها جزءا من الاستراتيجية الوطنية. ومنذ أن أُدرج بناء الحضارة الإيكولوجية كهدف وطني عام 2012، أصدرت الصين سلسلة من السياسات المهمة، مثل “خطة العمل لتحقيق ذروة الكربون قبل عام 2030” و”الخطة الخمسية الرابعة عشرة لحماية البيئة”، مما جعل التنمية الخضراء محركا مهما للنمو الاقتصادي.
وفي مجال تعديل هيكل الطاقة، سرعت الصين من التخلص من الصناعات العالية التلوث والعالية الاستهلاك للطاقة، وعملت بقوة على تطوير مصادر الطاقة المتجددة. وبحلول نهاية عام 2024، حافظت الصين على صدارتها عالميا في القدرة المركبة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، حيث وصلت القدرة المركبة للطاقة الشمسية إلى حوالي 890 مليون كيلوواط، بزيادة قدرها 45.2% على أساس سنوي، بينما بلغت قدرة طاقة الرياح حوالي 520 مليون كيلوواط، بزيادة قدرها 18.0%. كما تجاوزت نسبة استهلاك الطاقة غير الأحفورية 19%، متجاوزة بذلك النفط لأول مرة، لتصبح الصين رائدة التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة.
الابتكار الأخضر: دفع التحديث الصناعي المنخفض الكربون
يُعدّ الابتكار التكنولوجي الأخضر في الصين قوة دافعة قوية لتنمية الاقتصاد المنخفض الكربون. ففي قطاع السيارات الجديدة للطاقة، أصبحت الصين أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، حيث تجاوز إنتاج ومبيعات هذه السيارات في عام 2024 حاجز 13 مليون وحدة، بما يمثل 70% من الإجمالي العالمي، واحتفظت بالمركز الأول عالميا لخمس سنوات متتالية.
وتقود شركات مثل BYD وCATL الابتكار في هذا المجال، حيث تبلغ الحصة السوقية العالمية لشركة CATL في مجال بطاريات الطاقة 37.9%، محتلة المرتبة الأولى عالميا للعام الثامن على التوالي.
وعلاوة على ذلك، حققت الصين إنجازات مهمة في مجالات احتجاز وتخزين الكربون، والهيدروجين الأخضر، والشبكات الذكية. فعلى سبيل المثال، تم تطوير “محطة بايخهتان للطاقة الكهرومائية” باستخدام تقنيات طاقة نظيفة رائدة على مستوى العالم، وتبلغ قدرتها المركبة 16 مليون كيلوواط، وتساهم سنويا في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 51 مليون طن، أي ما يعادل زراعة نحو 310 مليون شجرة.
استعادة النظم البيئية: تجسيد واقعي لمفهوم “ الجبال الخضراء والمياه النقية هي جبال من ذهب وجبال من فضة “
تلتزم الصين بمفهوم أن ” الجبال الخضراء والمياه النقية هي جبال من ذهب وجبال من فضة “، وتسعى بقوة إلى تنفيذ مشاريع استعادة النظام البيئي، مثل مشروع حزام الغابات الثلاثي الشمالي، وحماية حوض نهر اليانغتسي، وإعادة الأراضي الزراعية إلى غابات ومراعي. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع مستمر في نسبة الغطاء الحرجي ( مساحة الغابات ) في البلاد، والتي تجاوزت 25% اليوم.
وبحسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، تحتفظ الصين بنمو مزدوج في المساحة والحجم الحرجي ( مساحة الغابات ) لمدة 30 عاما متتالية، وأسهمت بنحو25% من إجمالي الزيادة العالمية في المساحات الخضراء، مما يجعلها الدولة الأكبر إسهاما في “تخضير” الكوكب.
وفي الوقت ذاته، تسارعت وتيرة التحول الأخضر في المدن، حيث تبنت مدن مثل بكين، شنتشن، وهانغتشو مفهوم “المدن الإسفنجية”، التي تعتمد على الجمع بين الحلول البيئية والبنى التحتية لتخزين مياه الأمطار ومعالجتها، والتكيف مع تغير المناخ. وقد تجاوز عدد المدن التي تطبق هذا النموذج 66 مدينة، ووصل إجمالي المساحة المعتمدة للبناء الأخضر إلى أكثر من 6.6 مليار متر مربع، مما حسن بشكل ملحوظ القدرة على مقاومة الفيضانات وتحسين البيئة الحضرية.
التعاون العالمي: تقاسم ثمار التنمية الخضراء
بصفتها دولة مسؤولة، تشارك الصين بنشاط في الحوكمة المناخية العالمية، وقد تعهدت بالوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060. كما تعزز الصين التعاون من خلال مبادرة “الحزام والطريق” لبناء مشاريع للطاقة النظيفة في دول عدة.
فعلى سبيل المثال، في الإمارات العربية المتحدة، شاركت الصين في بناء “محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية ” بقدرة مركبة تبلغ 2.1 جيجاواط، مما يلبي احتياجات الكهرباء لـ 200 ألف منزل، ويقلل من انبعاثات الكربون بمقدار 2.4 مليون طن سنويا، ويوفر نحو 5000 فرصة عمل.
أما في المملكة العربية السعودية، فساهمت الصين في مشروع “محطة الشعيبة السعودية لتوليد الطاقة الكهروضوئية” بقدرة 2.6 جيجاواط، والذي يُعد أكبر مشروع من نوعه في الشرق الأوسط، حيث يُتوقع أن يولد خلال 35 عاما نحو 282.2 مليار كيلوواط ساعة من الكهرباء، ويقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يقرب من 245 مليون طن، مما يمنح دفعة قوية لجهود المملكة في التحول نحو الطاقة النظيفة.
طريق أخضر نحو المستقبل
إن إنجازات الصين في التنمية الخضراء لم تؤد فقط إلى تحسين البيئة المحلية، بل قدمت أيضا نموذجا عمليا وتجريبيا يمكن الاستفادة منه على مستوى العالم. وفي المستقبل، ستواصل الصين المضي قدما في طريق التنمية المستدامة والبيئية، وتعميق التعاون الدولي في مجال بناء الحضارة الإيكولوجية، والعمل مع جميع الدول لبناء عالم نظيف، جميل، منخفض الكربون، ومستدام.
- – ريماس الصينية، صحفية صينية، CGTN العربية