
الدكتورة عزيزة البنا ، زهرةُ نيلٍ نبتت في أرض الغربة وعبقُ وطنٍ في دروب الاغتراب ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في محطات العمر، تصادفنا أرواح لا تُنسى، تحلّ في حياتنا كما تحلّ نسمةٌ عطرة في نهار قائظ، فتُنعش القلوب وتترك بصمتها في أعماق الذاكرة. ومن بين تلك الأرواح المضيئة، كانت الدكتورة الصديقة عزيزة البنا، المصرية النبيلة التي التقيت بها في غربتي بماليزيا، حين جمعتنا قاعات العلم، وربطت بيننا إنسانية راقية وصدق نادر لا يُشترى.
امرأة بسيطة في مظهرها، عميقة في عطائها، نقية في كلماتها، تحمل قلبًا واسعًا كالأفق، وإرادة لا تُهزم. جمعت بين شغف الباحثة وسكينة الأخت، فكانت تسير في الحياة كما تسير الوردة وسط شوك الواقع، محافظة على رونقها وبهائها، بل تنثر عبيرها على من حولها.
رغم استقرارها اليوم في تركيا، إلا أن طيفها لا يفارق ذاكرتي، وصدقها لا يغيب عن وجداني. ومن أروع ما قامت به مؤخرًا، أنها قدّمت الدعم النفسي والمساندة لمجموعات من العاملين والمشرفين في المؤسسات التعليمية والتربوية، بكل حب وتفانٍ، وكأنها تزرع الأمل في قلوب أنهكها التعب، وتوقد شعلة العزم في أرواح أرهقها المسير. إنها اليد التي تُربّت على الكتف في وقت الحاجة، والكلمة الطيبة التي تسبق السؤال، والمبادرة الخيّرة التي لا تنتظر إشادة.
الدكتورة عزيزة هي نموذج للمرأة العربية الملهمة، التي ترى في كل إنجاز فرصة للعطاء، وفي كل لحظة ألم فرصة للشفاء. تحب الخير للجميع، وتفرح بنجاحات الآخرين كما لو كانت نجاحاتها الشخصية، وما أجمل هذه الروح التي تُزهر في عالم أصبح فيه الإيثار عملة نادرة.
دكتورة عزيزة، يا من كنتِ صديقة الغربة ورفيقة الروح، إن أثركِ الطيب لا يُمحى، وإن حضورك في حياتي كان وما يزال نقطة نورٍ في درب طويل. شكراً لصدقك، لعطائك، لحضورك السخي في قلوب من عرفوك.
إنما الإنسان أثر… وأثرك يا عزيزة، محفور في الذاكرة، كنسمة فرحٍ لا تنطفئ.