
فايزة أبو طامع ، زهرة الوفاء في بستان التربية، وصوت الصمت العامل بمحبة ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
من بين أروقة الحياة وممرات الأيام، تمرّ علينا أرواح تتسلّل إلى قلوبنا دون استئذان، فتزرع فيها المحبة، وتُعلّمنا المعنى الحقيقي للإخلاص دون أن تنطق بكلمة. ومن أرقى وأطهر هذه الأرواح، كانت وما زالت الصديقة والأخت والزميلة فايزة أبو طامع، تلك التي تشبه النسيم في حضوره، والندى في عطائه، والقمح في صمته المثمر.
عرفتها زميلة في المدرسة، لكنها لم تكن مجرد زميلة، بل كانت أختًا بنكهة الصفاء، وصديقة بطَعم الوفاء، وعاملة بهدوء لا يراه الكثيرون، لكنها تترك وراءها أثرًا يُشبه نُور الشمس عند الشروق، لا يُخفى وإن لم يُعلن. كانت تمضي يومها في المدرسة بكل حب، بوجهٍ يحمل التعب ولكن لا يشكو، وظهرٍ يُثقل بالمسؤوليات دون أن ينحني، وقلبٍ كبيرٍ لا يعرف إلا العطاء الصادق، والعمل الخالص لوجه الله.
كانت في المدرسة كالجندي المجهول في ساحات النبل، تعمل بصمت لا يُلفت الأنظار، لكنّ أثرها كان كالعطر الذي ينتشر دون أن يُرى، ويملأ المكان بالجمال. تراه مرهقة، لكنها لا تتذمّر. تراها صامتة، ولكن صمتها كان أعذب من كثيرٍ من ضجيج الآخرين. كانت قدوة في الانضباط، مدرسة في الالتزام، نموذجًا يُقتدى به في التربية قبل التعليم.
وأجمل ما فيها، ذلك الأسلوب الإنساني الراقي في التعامل مع الأطفال. كانت تعاملهم كأنهم أبناؤها، لا طلابها. حنانها يسبق حديثها، ودفء قلبها يسبق خطواتها داخل الصف. هي ليست فقط معلمة، بل أمٌّ تحمل في ملامحها مزيجًا من الرحمة والحزم، ومن الحنان والهيبة، وكأنها شجرة زيتون فلسطينية، تظلل أطفالها، وتحرسهم بجذورها الممتدة في الأرض والعطاء.
فايزة، يا صانعة الأجيال في صمت، ويا حارسة القيم خلف ستار الهدوء، أنتِ تلك الشعلة التي تُضيء بلا صخب، وتُربي بلا منّة، وتترك في كل من حولها بصمة لا تُنسى.
لمثلكِ تُرفع القبعات، وتنحني القلوب احترامًا، وتُكتب الكلمات بامتنان.
أثركِ الجميل باقٍ في ذاكرة المدرسة، وفي وجدان كل طفلٍ تعلم على يديكِ، وفي قلبي أنا أيضًا، فخورة بكِ، كما تفتخر الأرض بالسنابل الذهبية التي أطعمت الأمل في زمنٍ مجدب.
فايزة، أنتِ لستِ فقط معلمة، بل رسالة حب وتربية تمشي على قدمين.
دمتِ نبضًا طيبًا، وأثرًا خالدًا،
لأنكِ وببساطة… إنما الإنسان أثر.
- – د. تهاني رفعت بشارات – من مدينة جنين في فلسطين .
– حاصلة على درجة الدكتوراه في اللغة الإنجليزية وأساليب تدريسها من جامعة يوسيم ماليزيا
– لديها أكثر من 45بحث منشور في عدة مواضيع منها الدراما في التعليم ،وطرائق التدريس المبتكرة والتكنولوجيا في التعليم
– لديها سنوات عديدة من الخبرة في التدريس وإجراء بحوث حول موضوعات مختلفة
– كاتبة في عدة صحف ومجلات محلية وعالمية
– مؤلفة كتاب “لحن الأمل “
– مؤلفة كتاب “إنما الإنسان أثر 1”
– مؤلفة كتاب “قبسات هادئة في عتمة الطريق “
_ مؤلفة كتاب “إنما الإنسان أثر 2”