
ضحى مصطفى بشارات… ابنة الكرامة، وحَكَمة الحلم الفلسطيني في ساحة العز ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في سماء الإنجاز الفلسطيني، تتلألأ نجوم لا يخبو ضياؤها، تصعد بصمت، وتلمع بعزيمة لا تلين، لتكتب أسماءها في سفر المجد بحروف من عرق وكفاح.
ومن بين هذه الكواكب المضيئة، يسطع نجم لا يشبه سواه، نجمٌ نسج من الطموح جناحين، ومن الإرادة مركبًا، ومن الإيمان سلاحًا، لتحلق في ميدانٍ لطالما ظُنّ أنه حكرٌ على الرجال.
إنها ابنة العم، الأخت، والصديقة التي أعتز بها فخرًا واعتزازًا: الحكم الآسيوي والأستاذة ضحى مصطفى بشارات.
ضحى… ليست مجرّد اسم، بل قصة مكتوبة بأحرف رياضية لا تعرف الانكسار، وصورة ناطقة عن المرأة الفلسطينية التي تتحدى المستحيل وتخوض غمار المجد بخطى واثقة.
وُلدت في عائلة رياضية عريقة، تنحدر منها القوّة كما تنحدر مياه النبع من أعالي الجبال. والدها، رحمه الله، غرس فيهم حب الكاراتيه، لا كمجرد رياضة، بل كمنهج حياة، فكان البيت ملعبًا، والحلم مشتركًا، والإرث ممتدًا في شرايين الأبناء والأحفاد على حدٍ سواء.
نشأت ضحى بين الركلات والانضباط، بين الأحزمة وأخلاقيات القتال النبيل، فكبرت روحها قبل جسدها، ونضج الحلم في عينيها قبل أن تلبس أول بدلة كاراتيه. كانت الفتاة الصغيرة التي تحدق في النجوم، لا لتُعجب بها، بل لتصل إليها، وتصبح واحدة منها.
ومع الزمن، بدأت مسيرتها في تسلق سلّم الإنجازات: نالت الأحزمة، وجمعت الميداليات، وارتقت من متدربة إلى لاعبة، ومن لاعبة إلى مدربة، ومن مدربة إلى أول حكم فلسطينية تحمل الشارتين العربية والآسيوية في رياضة الكاراتيه.
ضحى بشارات… لم تكن مجرد حكم على حلبةٍ من التنافس، بل حكم على قلوبنا بأن نحترم الطموح، ونحب الإنجاز، ونؤمن أن لا شيء مستحيل أمام الإرادة الفلسطينية.
اجتازت امتحانات التحكيم الدولية، ووقفت في بطولات غرب آسيا، لا كمتفرجة، بل كصانعة قرار، وعينٍ عادلة، وقلبٍ ينبض بحب فلسطين.
وما بين كل صفارة أطلقتها، كانت هناك رسالة: أن الفتاة الفلسطينية قادرة، قوية، حاضرة، ومؤهلة لتكون في الصفوف الأولى.
رغم شخصيتها القوية، وملامحها القيادية، إلا أن قلبها لا يخلو من الحنان، كأنها تحمل في راحتيها مزيجًا من النار والعطر؛ قوية كالسنديان، وناعمة كزهر اللوز، مغامرة بطبعها، عاشقة للحياة، محبة للخير للجميع، لا تحمل إلا النقاء في تعاملها، ولا تعرف إلا الرفعة في مسارها.
ضحى… يا ابنة فلسطين الصابرة والمجيدة، يا من شققتِ دربكِ وسط العتمة، وجعلتِ من الحلبة منصة فخرٍ لنساء وطنكِ، أنتِ لست فقط حكمًا … أنتِ حُكمٌ راسخ على أن الإرادة تُصنع من الصخر، وأن المجد لا يعرف إلا الصاعدين.
لكِ في القلب مكانة لا تُمحى، وفي سجل نساء فلسطين صفحة ماسية تُروى للأجيال، وفي ذاكرتنا أنتِ:
الضوء الذي خرج من ظلال التحدي،
والصوت الذي نطق باسم المرأة الحرة،
والخطوة التي سبقت الآخرين لتترك الأثر.
فخورة بكِ أنا، كما تفتخر الجبال بشموخها،
فأثركِ طيبٌ لا يزول،
وحضوركِ قصة تُروى،
وحقًا… إنما الإنسان أثر،
وما أعظم أثركِ يا ضحى.