
الفضة واستعادة التوازن النقدي: دعوة للاستثمار برؤية إسلامية ، بقلم المهندس غسان جابر
في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، وأمام تصاعد موجات التضخم العالمي، بات من الضروري البحث عن حلول جذرية تعيد للنظام المالي توازنه وعدالته. من هذا المنطلق، تبرز الفضة كأحد الأصول المنسية التي تحمل قيمة شرعية وتاريخية كفيلة بأن تجعلها حجر زاوية في استراتيجية استثمارية واعية. فالفضة، وفقًا للتشريع الإسلامي، لم تكن مجرد معدن ثمين، بل كانت جزءًا من نظام نقدي متكامل يضبط حركة المال ويمنع الاستغلال والاحتكار.
النصاب الإسلامي كإشارة اقتصادية قوية
وفقًا للفقه الإسلامي، يُقدّر نصاب الفضة بـ 480 جرامًا، بينما يُقدّر نصاب الذهب بـ 80 جرامًا، أي بنسبة 1:6، (النصاب الإسلامي هو الحد الأدنى من المال أو الثروة الذي يجب أن يملكه المسلم ويظل في حوزته لمدة سنة قمرية (حول كامل) حتى تجب عليه الزكاة) .
هذه النسبة لم تكن عبثية، بل كانت تعكس توازنًا دقيقًا بين العرض والطلب، وبين الوظيفة النقدية لكل من المعدنين. المفارقة اليوم أن القيمة السوقية تجاوزت هذه النسبة لتصل إلى 1:100 لصالح الذهب، ما يشير إلى خلل عميق في تسعير الفضة، ويمنح المستثمرين فرصة نادرة للاستفادة من هذا التناقض.
لماذا الاستثمار في الفضة الآن؟
قيمة أقل من قيمتها الحقيقية
الفضة تُتداول اليوم بأقل من 30 دولارًا للأونصة، بينما يجب – وفق النسبة الإسلامية – أن تتراوح قيمتها قرب 500 دولار. هذا يشير إلى أن الفضة مقيمة بأقل من سعرها العادل، ما يجعلها فرصة استثمارية طويلة الأجل.
تحوط فعال ضد التضخم
بخلاف العملات الورقية، لا يمكن طباعة الفضة أو إنتاجها بقرارات سياسية. وهذا يعني أن الاستثمار في الفضة يمثل حماية طبيعية من التآكل النقدي والتضخم المتصاعد.
طلب صناعي متزايد
تستخدم الفضة في الإلكترونيات، الطاقة الشمسية، الطب، وصناعات متعددة، ما يعني أن الطلب الحقيقي عليها في تزايد مستمر. ومع تقلب الإمدادات، فإن هذا يضيف بُعدًا استراتيجيًا للاستثمار.
إعادة إحياء للعدالة النقدية
الاعتماد على نصاب الزكاة كنظام معياري قد يوجه المستثمرين نحو التوازن المفقود، ويمنع التركز الكبير للثروة في الذهب أو العملات الورقية، بما يعزز من العدالة في التوزيع الاقتصادي.
الفضة كأداة للنهضة الاقتصادية الإسلامية
ليس المقصود هنا مجرد الترويج للاستثمار في معدن ثمين، بل تقديم رؤية اقتصادية متكاملة تعيد الاعتبار لقيم الشريعة في بناء نظام نقدي عادل. فكما أن الزكاة تهدف إلى تطهير المال وتحقيق التكافل، فإن الاعتماد على معيار الذهب والفضة يعيد ضبط بوصلة القيمة، ويقلل من العبث بالاقتصاد عبر التضخم أو الديون غير المغطاة.
دعوة لأصحاب القرار والمستثمرين
يحتاج الاقتصاد الإسلامي المعاصر إلى تحرر من الارتهان المطلق للنظام المالي الغربي، وأن يبحث عن بدائل تعزز السيادة والاستقلال النقدي. الفضة، وفق النصاب الشرعي، ليست مجرد تراث، بل هي مستقبل محتمل لنظام مالي أكثر عدالة واستقرارًا.
الاستثمار في الفضة اليوم ليس فقط قرارًا اقتصاديًا، بل هو أيضًا موقف أخلاقي ومسؤولية استراتيجية، تعيد الاعتبار لأدوات الشريعة في معالجة اختلالات العصر.
م. غسان جابر (قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)