9:02 مساءً / 7 أبريل، 2025
آخر الاخبار

صرخةً للصمت في غزة؟ بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

صرخةً للصمت في غزة؟ بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

صرخةً للصمت في غزة؟ بقلم : د. تهاني رفعت بشارات


صرخةً للصمت في غزة؟


أنا سمعتها… ، سمعتُ صوت أحمد، رغم أنه لم يصرخ. الفيديو مطلبق بالصمت ، لكنّه أبلغ من ألف نداء واستغاثة ، وأشد وجعًا من ألف نحيب وعويل .


أحمد منصور… اسمٌ لم يعد مجرد علم ، بل صار وجعًا يتجوّل بيننا في ثنايانا ، صار صورةً تتقد نارًا، وكلمةً تُطعن في خاصرة الحقيقة المكسورة . أحمد، الصحفي، الأب، مراسل “وكالة فلسطين اليوم”، ذلك الذي حمل الكاميرا لا ليوثق مشهدًا عابرًا على أطراف العشاءات ، بل ليوثق وطنًا يُصلب كل يوم بألف مسمار ، بات اليوم هو الخبر، هو الصورة، هو الصرخة.

صفحته على “فيسبوك” لم تعد مساحة شخصية، بل تحوّلت إلى دفتر عزاءٍ مفتوح، يكتب فيه عن شهداء يعرفهم، ويضع صورًا لأرواحٍ كانت تضحك في الأمس بلا قهقهة . كل منشورٍ له، وكل صورةٍ يشاركها، كانت تنحت في قلبه وجعًا جديدًا، حتى أضحى وجعه مرافقًا له أكثر من ظلّه.

تعب أحمد… انكسر، وذاب أمله في أن تغيّر الصورةُ واقعًا، أو تُوقف الكلمةُ نزيفًا. لم يعد يؤمن أن القلم درعٌ أمام الرصاص، ولا أن العدسة هزيمة للّهب.

لم يكن مشهدًا من تسالي هوليود، بل مشهدًا من جحيمٍ حقيقيّ، حيث جلس أحمد على كرسيه بين الخيام، والنار تطوّقه كأنها وحشٌ جائع. لم يرتعد، لم يصرخ، لم يركض. جلس ثابتًا، كجبلٍ تكسّرت على سفوحه النيران.


صمته كان صرخةً حارقة: “هل سمعتم صوت غزة؟ هل تحرّك فيكم شيء؟ أم أنكم تنتظرون إبادةً جماعية لتستفيقوا؟”

أحمد اليوم… بين الحياة والموت، بين حرقٍ يمزق جسده، وألمٍ يسكن عينيه، وجرحٍ لا يندمل. أصيب بحروقٍ بليغة، وجراحه عميقة، والأطباء يحاولون جاهدين إنقاذه، لكن حتى المشفى الذي احتمى به عاجزٌ عن مسمّاه ، لا يملك ما يسعفه، لا أدوية، ولا أجهزة، ولا حتى ضمادةٍ تُخفف وجعه.

هل سمع أحدكم صرخة أحمد وهو يحترق بنار صمتنا ، وقنابل ابن آوى؟
هل رأيتم كيف تحترق الحقيقة حينما يُحرق حاملها؟


أرادوا طمس عدستِه بالنار، أرادوا قتل الصوت بالصمت، أرادوا أن تتحول صورته إلى رماد… لكنهم نسوا بطش الله ، وأن “حسبي الله ونِعم الوكيل” لا يُطفئها لهيب، بل يُشعل بها نارًا من عدالةٍ لا تنطفئ.

أسئلةٌ ثلاثة بقيت تحترق معنا، لا جواب لها حتى الآن:


لماذا لم تُنقَذ الخيمة، وهي أمام مشفى يُفترض أنه مزوّد بأبسط أدوات الإغاثة؟


هل كان بوسع المصوّر أو الشبان الذين وقفوا قربه أن يقتحموا النار وينقذوه؟ أم أن النيران كانت أسرع من كل نية؟
هل كان هناك حاجزٌ حديدي أو خشبي منعه من الهرب؟ أم أن إصابته كانت قد شلّته عن الحراك؟

كلها أسئلة تُلزم تحقيقًا، تُلزم وقفة ضمير، لكن الحقيقة الأكبر أن النار التي أكلت أحمد لا تزال تشتعل في أرواحنا.
لقد احترق أحمد أمام العالم، احترق جسده وأحرقتنا خطيئته ، لكن صورته لم تحترق… بل احترق العالم أمام صورته.

احترق الصحفي الفلسطيني، لأن جريمته الوحيدة كانت أنه يقول الحقيقة، وأنه لا يحمل سلاحًا إلا عدسته ، ولا يرتدي درعًا إلا إيمانه بأن نقل المأساة حق.


أحمد لم يمت… أحمد مشى على نار غزة، ليُبقي قضيتنا حيّة، ويصرخ صمتُه في وجه عالمٍ أصمّ.

“احترق حامل الحقيقة، وبقيت الحقيقة شاهدةً على نيرانهم.”

شاهد أيضاً

نتنياهو يجتمع ستيف ويتكوف في البيت الأبيض

نتنياهو يجتمع ستيف ويتكوف في البيت الأبيض

شفا – وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليوم، إلى واشنطن في زيارة هي الرابعة …