9:02 مساءً / 7 أبريل، 2025
آخر الاخبار

هل هي حرب حقاً أم استراتيجية تطهير عرقي؟ بقلم : سالي أبو عياش

هل هي حرب حقاً أم استراتيجية تطهير عرقي؟ بقلم : سالي أبو عياش

عام ونصف مضت على حرب متواصلة ضد قطاع غزة، لم تنتهِ خلالها مشاهد الدمار، ولا توقفت آلة القتل والتشريد. وبين هُدنات قصيرة ووقف مؤقت لإطلاق النار، عادت الأيام الدامية بأشدّ صور الوحشية، لتمحوَ ما تبقى من الحياة وتدفع بمن بقي من العائلات الغزية إلى الهجرة القسرية تحت وطأة العجز وضيق الحال، بعدما أثقلت الحرب كاهلهم بكل صنوف المعاناة.

يُقال إنّها “حرب”، لكن ماذا لو لم تكن كذلك؟ فلا جيش يُقاتَل، ولا صراع متكافئ بين قوتين على أرض المعركة، ولا أهداف عسكرية واضحة، ولا حتى بوادر انتصار عسكري. بل ما نراه هو استهداف مباشر للمدنيين، ومحاولة ممنهجة لاقتلاع الشعب الفلسطيني من جذوره، عبر القتل والتهجير والتجويع، وحتى عبر حصار الكلمة والرواية.

إنّ الغاية لم تعد مخفية، بل تتجلّى يوماً بعد يوم: محو الوجود الفلسطيني من الأرض، بكل الطرق الممكنة، حتى لو خالفت كل ما جاء في القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، مع تغليف ذلك بخطاب “الحرب والقضاء على الإرهاب في المنطقة” لتبريره أمام أنظار العالم.

ورغم كل هذا الوضوح، فإنّ النظام الرسمي العربي، والعالم الإسلامي، والأمم المتحدة، بل والعالم بأسره، يدركون أو على الأقل يشهدون أنّ ما يحدث اليوم في غزة ليس مجرد عدوان عابر، بل محاولة إبادة حقيقية يقودها الاحتلال الصهيوني بقيادة نتنياهو، تستهدف الشعب الفلسطيني ككل، لا جماعة أو فصيلاً بعينه.

إنّ الحرب، في تعريفها التقليدي “صراع مسلّح بين دولتين أو أكثر، أو بين فصيلين متصارعين أو جيشين متساويين في العتاد على السلطة أو الأرض”، وتتبع قواعد معيّنة حتى في أشدّها دموية كاتفاقيات جنيف التي تضع حدوداً لما يجوز استخدامه وما لا يجوز في أرض المعركة. فهنالك أسلحة محرّمة دولياً ورغم أنّ الحروب تخلف دماراً هائلا، إلا أنّها غالباً ما تُبرَّر بأهداف سياسية أو اقتصادية أو دفاعية. أما التطهير العرقي، فهو ليس مجرد صراع، بل مشروع ممنهج لإزالة جماعة بشرية من منطقة جغرافية معينة، سواء بالقتل أو التهجير أو الترويع أو التدمير المتعمد للمقومات الأساسية للحياة. ويُعرّف بأنّه جريمة ضد الإنسانية، لا مبرر لها ولا تسوية سياسية تُخفي بشاعتها.


وفي الحالة الفلسطينية، لا نجد جيوشاً تتقابل على الأرض، بل نجد طائرات تقصف من الجو، ودبابات تقتحم المدن، بينما المدنيون هم الضحايا، والمنازل والمستشفيات والمدارس هي الأهداف. فهل تسمّى هذه حربا؟ أم مشروعاً متعمداً لإنهاء وجود شعب بأكمله؟.

لقد شهد العالم مشاهد مماثلة في البوسنة والهرسك، حيث ارتُكبت مذابح ضد مسلمي البوسنة في التسعينيات، وصُنّفت لاحقاً كجرائم تطهير عرقي، وكذلك ما حدث في رواندا، حيث قُتل مئات الآلاف بناءً على انتمائهم العرقي. واليوم، أمام أعين العالم، يتكرر المشهد في غزة، لكن هذه المرة، تُستخدم أدوات “الحرب” كستار لتنفيذ مخطط أعمق وأخطر.

إنّ ما يجري اليوم في غزة ليس معركة حدود ولا تصفية لحسابات مؤقتة أو القضاء على الإرهاب وحركة حماس.. وهذا بات واضحاً بعد ما يزيد عن العام ونصف، بل هو خطوة ضمن استراتيجية إقليمية أوسع وأخطر، هدفها إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط ديموغرافياً وسياسيا، بما يخدم مشروع الاحتلال الصهيوني، تحت مبدأ: “من لا يُمحى يُهَجَّر، ومن لا يُهجَّر يُحاصَر حتى يختنق.

بطبيعية الحال، إذا نجح التهجير القسري الجماعي أو التهجير الطوعي للسكان في غزة، فإنّ الضفة الغربية ستكون الهدف التالي، ليس فقط عبر التوسّع الاستيطاني، بل عبر خلق بيئة طاردة للسكان الأصليين، من خلال عنف المستوطنين، والحواجز، والسيطرة على الموارد، ومن ثم الداخل الفلسطيني المحتل الذي سيشهد بدوره تصعيداً أكبر بعد موجات من التضييق العنصري وسياسات الإقصاء الممنهجة بحقّهم، تمهيداً إما لتهجير ناعم أو انفجار مدفوع إلى حدود التطهير الصريح.

التطهير العرقي في خدمة التطبيع

لكنّ الخطر لا يتوقف عند حدود فلسطين التاريخية، فالمشروع الذي يغذّيه الاحتلال ويحظى بصمت أو تواطؤ دولي، يمتد إلى الإقليم برمّته حيث تعاني بعض الدول الإقليمية من تداعيات هذا التصعيد. وبالرغم مما آلت اليه من نتائج هنالك أحاديث عن صفقات تطبيع بينها وبين “إسرائيل”، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

-لبنان، مهدد بتهجير أهالي الجنوب وإشعال الفتيل الداخلي بين الطوائف الذي يُستخدم لاحقاً كذريعة لتغيير ديموغرافي داخل البلد سيكون تمهيداً لاستكمال مشروع التطبيع في المنطقة.

-الأردن، تحت ضغط سياسي دائم مرتبط بالتوطين، في ظل خطاب إسرائيلي متصاعد يدفع باتجاه الوطن البديل لسكان الضفة الغربية.

-مصر، تواجه تحديات متزايدة على حدودها مع سيناء ورفح، حيث يشكّل نزوح الغزيين ورقة ضغط استراتيجية على تغيّر الجغرافيا السياسية لمصر بما يتماشى مع “إسرائيل” ومصالحها.

-سوريا والعراق، عانتا من مشاريع تفتيت مشابهة، تُعيد إنتاج النموذج نفسه: حروب داخلية تغذّيها قوى خارجية، تفضي في النهاية إلى خرائط جديدة مبنية على الطوائف لا الأوطان. وعلى سبيل التخصيص ما يحدث اليوم في سوريا من هجمات إسرائيلية على مناطق سورية، وكذلك مشاريع التقسيم التي لاحت في الفترة الماضية تؤكد أنّ دمشق ستكون بوابة الشرق الأوسط الجديد الذي تقوم “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية برسم خارطته السياسية على مرأى الجميع ولكن لا مُنادى يجيب.

وعليه، فإنّ مشروع التطهير العرقي الجاري اليوم هو حجر الأساس لمخطط تفكيك المنطقة على أسس عرقية ودينية، من خلال أدوات ناعمة وخشنة: الحرب، الحصار، التجويع، التهجير، الفوضى ونزع الهوية.

وما لم يُواجَه هذا المشروع بموقف عربي وإسلامي حقيقي، موحد وقوي، لا يقوم على الشعارات بل على الفعل، فإنّ النكبة لن تبقى فلسطينية، بل ستمتد لتصبح نكبات متلاحقة تطال شعوباً بأكملها، تُجتثّ من أرضها، وتُستبدَل خرائطها وهوياتها بإرادة استعمارية جديدة.

فما يحدث في غزة لا يمكن أن يُختزل بكلمة “حرب” لأنّها ليست حرباً على فصيل، ولا ردّ فعل على عملية، بل مشروعاً ممنهجاً بدأ في قطاع غزة وسيمتد الى المنطقة الإقليمية بأسرها تمهيداً للشرق الأوسط الجديد الذي تطمح إليه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية.

لقد آن الأوان لأن نستيقظ من غفلتنا ونسمّي الأشياء بأسمائها.. فهذا تطهير عرقي، وهذه إبادة جماعية، وهذا احتلال عنصري استيطاني لا يقف عند حدود معينة. وغزة ليست النهاية، بل إنّها البداية وحسب وما يُراد لنا هو شرق أوسط جديد هش، مفكك، بلا هوية ولا ذاكرة.

فلتكن غزة جرس الإنذار، ولنكن نحن من يسمعه، ويفهمه، ويقف على أثره.

شاهد أيضاً

نتنياهو يجتمع ستيف ويتكوف في البيت الأبيض

نتنياهو يجتمع ستيف ويتكوف في البيت الأبيض

شفا – وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليوم، إلى واشنطن في زيارة هي الرابعة …