
رنا علاونة ، حين يكتسي الوفاء وجهاً، ويصير الجمال خلقًا يمشي على الأرض ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في رحلة الحياة، يمر بنا كثيرون… نلتقي بوجوهٍ نُسلّم عليها ثم نمضي، ووجوهٍ تبقى محفورة في القلب، كأنها نقشٌ على جدار الذاكرة لا يبهت مهما مرّ عليه الزمن. ومن هؤلاء القلائل الذين حين نلتقيهم ندرك أن الخير ما زال حيًّا نابضًا، وأن الطيبة لا تزال تسكن القلوب… صديقتي وأختي رنا علاونة.
رنا… ليست مجرد اسم، بل نبض دفءٍ إنسانيٍ خالص، وقطرة ندى في زمنٍ جاف، وجارة طيّبة كظلال الشجر حين يطول الظهيرة. عرفتها فوجدتُ فيها مزيجًا نادرًا من البساطة والاحتواء، ومن اللطف والعطاء. هي زميلتي، وجارتي، وصاحبة المكتب المقابل لمركز “تاليا للتميّز” الذي أتشرف بالإشراف عليه، لكنها أكثر من ذلك… إنسانة تسكن القلب بأخلاقها قبل كلماتها.
الموقف الذي سيبقى محفورًا في وجداني
من المواقف التي لن أنساها ما حييت، والتي كانت كاشفةً لحقيقة هذه الإنسانة النبيلة، يوم كنت في مركز “تاليا”، في مهمة علمية راقية، إذ كنتُ ضيفةً على الأستاذة القديرة الدكتورة كفاح برهم، في محاضرةٍ لطلبة الماجستير حول “البحث النوعي وكيفية التحليل”. كانت السعادة تغمرني، فقد كانت القاعة افتراضية، والموضوع شائق، والحضور راقٍ ومتحمس.
لكن فجأة… وكأن الرياح أرادت أن تختبر صدق العزيمة، انقطع الإنترنت عن المركز!
وكأن اللحظة الفاصلة جاءت لتُظهر من هم أصحاب المواقف الحقيقية…
توجهتُ فورًا إلى مكتب رنا، مستأذنة منها، مترددة بعض الشيء، فقد كانت المحاضرة طويلة وحضورها مهم… لكنها، وكعادتها، فتحت قلبها قبل مكتبها، وقالت بابتسامة لا تُنسى: “أكيد، المكتب مكتبك.”
جلستُ في مكتبها وأكملت المحاضرة من هناك، واستمرت لأكثر من ساعتين ونصف، وكانت من أروع ما قدمت، بحضور الدكتورة كفاح وطلبةٍ متعطشين للمعرفة، فيما كانت رنا إلى جانبي، صامتة بحب، حاضرة بعطائها، وكأنها شمعةٌ تضيء للآخرين دون أن تُطفئ ذاتها.
شكرًا من القلب… لأختٍ لا تعرف التردد حين يُنادَى المعروف
رنا… لا تكفيكِ كلمات الشكر، لأن المواقف الصادقة لا تُقابل إلا بالدعاء والمحبة الصادقة.
لقد تركتِ في قلبي أثرًا لا يُمحى، وذكراكِ الجميلة ستظل كالنقطة المضيئة في صفحة أيامي، لأنك كنتِ هناك، حين احتجت، دون طلبٍ أو تردد.
شكرًا لأنكِ كنتِ نبض الطيبة في لحظة ارتباك، وشكرًا لأنكِ جعلتِ من موقفٍ عابر، ذكرى خالدة لا تُنسى.
دمتِ رفيقة الدرب، وجارة الخير، وصديقة القلب.
ولأمثالكِ تُرفع القبعات، وتُكتب الأسطر بأجمل الحروف.
أثرُكِ باقٍ في قلبي… دائم، خالد، لا يزول.