
المقاومة بين ادعاءات الهزيمة وواقع الصمود ، بقلم : محمد غزالة
هناك مفارقة خطيرة في بعض المواقف السياسية، خصوصًا لدى الفريق الذي يروّج لهزيمة المقاومة في لبنان، مطالبًا إياها بعدم المكابرة وتسليم سلاحها للجيش، وهو الفريق ذاته الذي بدأ اليوم بالترويج لسردية أن المقاومة ستعيد فتح الجبهة دعمًا لطهران. وهنا تبرز التناقضات: كيف يمكن الحديث عن هزيمة المقاومة، ثم في الوقت نفسه الادعاء بأنها ستشعل الجبهة مجددًا؟ إذا كانت المقاومة قادرة على ذلك، فهذا يعني ببساطة أنها لم تُهزم.
صحيح أن المقاومة تلقت ضربات قاسية، لكنها لا تزال قائمة وفاعلة، وقد أثبتت التزامها بالقرار 1701، وأكدت مرارًا وتكرارًا وقوفها خلف الدولة في استعادة الأرض وإنهاء الاحتلال. وما تؤكده الضربات الإسرائيلية المستمرة منذ وقف إطلاق النار دليل واضح على أن المقاومة لا تزال موجودة بقوتها العسكرية والسياسية، بل وتتصرف بمسؤولية ووعي وطني يفوق بكثير مواقف بعض الأطراف اللبنانية. لذلك، استحقت عن جدارة إشادات مسؤولين محليين ودوليين على أدائها المتزن.
المطلوب من بعض القوى السياسية التي تطالب المقاومة بعدم المكابرة، ألّا تكابر هي أيضًا
في موضوع تسليم السلاح، الأمر ليس بهذه السهولة، وبالتالي يجب تحديد الهدف من أي عملية تسليم. إذا كان السلاح سينتقل إلى الدولة ليصبح نقطة قوة للبنان، ضمن استراتيجية دفاعية وطنية، فلا أحد يمانع ذلك. أما إذا كان الهدف هو تدميره، فهذا يشكّل عائقًا خطيرًا. فإسرائيل، التي فشلت في القضاء عليه بالقصف والصواريخ والطائرات، لن تقبل المقاومة أن تسلّمه ليُطلب بعد ذلك من الجيش تدميره، لأن ذلك من شأنه أن يخلق توترًا داخليًا، ولبنان بالغنى عنه في هذه المرحلة الدقيقة.
ما نحتاجه اليوم هو التواضع في المواقف بدلًا من الاستغلال السياسي. الأيام القادمة ستشهد مجددًا على حرص المقاومة على هذا الوطن، أكثر من أولئك الذين يرفعون الشعارات فقط، ثم يتراجعون عنها عند أول اختبار سياسي. ومن المؤسف أن نرى مواقف تتماهى مع الموقف الإسرائيلي، وتضغط – بالتنسيق مع بعض الدول – لمنع إطلاق عملية الإعمار وتأخير عودة أهلنا إلى قراهم.
وفي هذا السياق، نوجّه رسالة إلى جميع اللبنانيين، أحزابًا وهيئات، بضرورة العمل معًا من أجل بناء الوطن على قواعد ثابتة وواضحة تحفظ حق الجميع، بعيدًا عن المزايدات السياسية والمصالح الفئوية. فلبنان يحتاج اليوم إلى وحدة داخلية حقيقية تُكرّس مصلحة الوطن فوق أي اعتبار آخر، وتؤسس لمستقبل مستقر وآمن لجميع أبنائه.
إذا كنت لبنانيًا حقًا، فلماذا تساهم في عرقلة عودة شعب حسم خياره بالانتماء لهذا الوطن؟ إذا كنت لبنانيًا، فلماذا تدفع باتجاه تشريد أبناء وطنك بدلًا من دعم حقهم في العودة؟
هذا هو التحدي الحقيقي، وهنا يُختبر الانتماء بوضوح.