10:30 مساءً / 2 أبريل، 2025
آخر الاخبار

في حضرة الدم والموت ، أيُّ عيدٍ وأيُّ فرح ؟ بقلم : أ. جندل صلاح

في حضرة الدم والموت ، أيُّ عيدٍ وأيُّ فرح ؟ بقلم : أ. جندل صلاح

في حضرة الدم والموت: أيُّ عيدٍ وأيُّ فرح؟ بقلم : أ. جندل صلاح


كيف تشرقُ شمسُ العيدِ على أرضٍ تُظلِّلُها النكبات، وتُثقلُ سماءَها سُحُبُ الدخانِ والنار؟ كيف يَبتسمُ القمرُ في ليلٍ تُسامرُهُ صرخاتُ الثكالى، ويَسكبُ فيه اليُتمُ دمعَهُ على وسائدَ لم تعُد تُدركُ معنى الدفءِ والأمان؟ أَيُّ عيدٍ يَحلُّ وأبوابُ غزة لا تُفتحُ إلّا للموت، ونوافذُها لا تطلُّ إلّا على مشاهدِ الخراب، وأزقتُها لا تسيرُ فيها إلّا مواكبُ الشهداء؟

أيُّ عيدٍ هذا، وأطفالُنا يلبسونَ الأكفانَ بدلَ الثيابِ الجديدة، وتَحتضنُ الأرضُ جِثثَهم قبل أن تحتضنَ أحلامَهم؟ أيُّ عيدٍ، وهذا الوطنُ يَنامُ على فوهةِ مجزرةٍ، ويَصحو على أنقاضِ حُلُم؟ العيدُ الذي يَكسوهُ الدمُ، ويفتقدُ الضحكةَ، لا يُدعى عيدًا، بل حدادًا مُؤجَّلًا على أمةٍ أدارت وجهها عن الحقيقة، وأمعنت في الانغماسِ في زيفِ البهجة.

فيما تَتوشَّحُ غزة بالسوادِ، وتَحملُ الأمهاتُ صورَ أطفالِهن بدلًا من أيديهم الصغيرة، يَجدُ البعضُ متَّسعًا لعرضِ حلوياتِ العيد، وكأنَّ جِياعَ المخيماتِ لم تَشقَّ جلودَهم أَنيابُ الجوع. فيما يَنهمكُ الآباءُ في تصويرِ أطفالِهم بِثيابِ العيدِ الفاخرة، هُناك في الطرفِ الآخر من الأرضِ أمهاتٌ يُكفِّنَّ أطفالهن بأيديهن المرتجفة. فيما تَفيضُ الموائدُ بِألوانِ الطعام، هناكَ أطفالٌ لا يجدونَ غيرَ بقايا الصبرِ يتكئونَ عليها ليمضوا يومًا آخر في عمرِ الجحيم.

أيُّ قسوةٍ هذه التي جعلتنا نَصُبُّ أعينَنا على ترفِ حياتِنا، بينما تُزهقُ أرواحٌ كانت تتطلعُ إلى الحياة؟ هل صارت الضمائرُ خواءً لا يَسكنُها إلا صدى الأنانية؟ هل جفَّت أرواحُنا حتى باتَ الحزنُ يُشعِرُنا بالضيقِ فنُحاولُ دفنَهُ تحتَ أَكداسِ الصورِ البهيجةِ والكلماتِ الزائفة؟

إنَّه لمُفجعٌ أن يَمضي العيدُ للعامِ الثاني وأطفالُ غزة بلا مدارس، بلا ألعاب، بلا وطنٍ، بلا أحلام، حتى الفُتاتُ الذي كانوا يَتعلَّقونَ به تلاشى مع دُخانِ القذائف. لم يعُد لهم حتى الفراشُ الذي يُخفِّفُ وَهنَ أجسادِهم، ولم يتبقَّ لهم من الطفولةِ إلا أسماءٌ كُتِبت على شواهدِ القبور.

إنَّ من أبشعِ صورِ الظلمِ أن تُسرقَ منكَ الحياةُ كاملةً، ثم يُجبرونَك على مُشاهدةِ من يَحياها أمامَك بلا اكتراثٍ ولا خجل. إنَّه لأشدُّ على الروحِ من وقعِ القذائفِ أن تَرى من يَتغنَّى بِفرحِهِ بينما أنتَ تَبتلعُ الموتَ كأنَّهُ قَدرٌ كُتبَ عليكَ وحدَك.

إن لم يكن هناك ما نَستطيعُ أن نقدِّمَهُ لغزةَ غيرَ الدعاءِ والدمع، فلا أقلَّ من أن نحترمَ أحزانَها، أن نُشاطرَها الوجع، أن نَكتمَ فرحَنا المزيَّفَ الذي لا طعمَ له ما دامَ في فلسطينَ بيتٌ مَهدوم، وقلبٌ مكسور، وطفلٌ ينتظرُ العيدَ ليأكلهُ الموتُ قبلَ أن يَبتسم.

العيدُ الحقيقيّ ليسَ في زينةٍ تُعلَّقُ ولا في ثوبٍ جديد، بل في قلبٍ نقيٍّ لا يتجاهلُ المظلوم، وضميرٍ حيٍّ يَشعرُ بالمكلوم. وإن لم نَحزن لغزةَ اليوم، فلنَفرحَ معها يومًا حينَ تعودُ إلى الحياةِ من جديد، حينَ يَضحكُ أطفالُها تحتَ سماءٍ خاليةٍ من الطائراتِ، ويَركضونَ في شوارعٍ لم تَحفرها الصواريخُ، ويَكبرونَ كما يَكبرُ كلُّ طفلٍ يَستحقُّ الحياة.

شاهد أيضاً

الرئاسة الفلسطينية : نرفض وندين مخطط الاحتلال لفصل رفح عن خان يونس وتقسيم جنوب القطاع

الرئاسة الفلسطينية : نرفض وندين مخطط الاحتلال لفصل رفح عن خان يونس وتقسيم جنوب القطاع

شفا – أكدت الرئاسة الفلسطينية رفضها الكامل، لما أعلنه نتنياهو بإقامة ما يسمى بمحور موراج …