
يوم الأرض وكل الأيام للأرض: قصة صمود تحت الاحتلال ، بقلم : معمر العويوي
في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بيوم الأرض في الثاني والعشرين من أبريل/نيسان، كمناسبة للتوعية البيئية والحفاظ على الطبيعة، يحيي الشعب الفلسطيني في الثلاثين من آذار/مارس من كل عام “يوم الأرض”، ليس كذكرى للطبيعة فحسب، بل كرمزٍ لمقاومة مصادرة الأرض وهويةٍ تُختزل في حبات ترابها. ففي عام 1976، صادرت قوات الاحتلال الإسرائيلي آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، فانتفض الشعب ضد سياسة التهجير القسري، وسقط ستة شهداء في مواجهة آلة القمع. اليوم وبعد أكثر من خمسة وسبعون عاماً على النكبة، ما زالت الأرض الفلسطينية تُسلب، والشعب يُواجه حرباً مزدوجة: حرب دموية في غزة، وحرب صامتة في الضفة الغربية، كلتاهما تستهدفان اقتلاعه من جذوره.
غزة: الدمار الذي لا يمحو الانتماء
في قطاع غزة، حيث تدك الطائرات الحجر والبشر، تحولت الحياة إلى جحيم مفتوح. دُمر أكثر من 75% من البنية التحتية، من منازل ومستشفيات ومدارس، لكن الأرض بقيت شاهدةً على ملكيتها لأصحابها. فالقصف قد يهدم الجدران، لكنه لا يمحو سندات الملكية المُوثقة في الذاكرة الجمعية. هنا يتحول يوم الأرض إلى معنىً وجودي: فالأرض هي الهوية الأخيرة التي يحاول الاحتلال انتزاعها عبر التطهير العرقي، لكنها تظل تُنبت زيتوناً جديداً بين الركام.
الضفة الغربية: السلام المُزيف وحرب المصادرة
أما في الضفة الغربية، حيث تُرفع شعارات “السلام” بموجب اتفاقيات أوسلو، يُمارس الاحتلال أبشع أشكال التمييز العنصري. ففي المناطق المصنفة “سي” التي تُشكل أكثر من 60% من أراضي الضفة، يحظر على الفلسطينيين حتى قطف زيتون أجدادهم، بينما تُقلع الأشجار المقدسة لتمهيد الطريق للمستوطنات غير الشرعية. البيوت تُهدم بحج واهية، والأسر تُطرد تحت تهديد السلاح، والقدس تُحاصر بجدار الفصل العنصري، حتى أصبحت المدينة المقدسة شبه مستحيلة على أهلها. فكيف يُسمى “سلاماً” نظاماً يمنع الفلاح من حرث أرضه، ويحوّل التاريخ إلى سجن مفتوح؟
منطق الاحتلال: الأرض لمن يسرقها!
يحاول الاحتلال إقناع العالم بأنه قوة “متحضرة” تُنشئ مدناً من لا شيء لكن الحقيقة أن كل مستوطنة تُبنى فوق أنقاض منزل فلسطيني، وكل طريق استيطاني يُعبّد فوق حقول زيتون. إنه منطق استعماري قديم يُعيد إنتاج نفسه: إبادة السكان الأصليين، أو تهجيرهم، ثم تزييف الرواية. لكن الشعب الفلسطيني يرفض أن يكون رقمًا في معادلة الاستسلام. ففي غزة، يقاوم بالحياة رغم الحصار، وفي الضفة، يزرع بذرة القمح في شقوق الجدار، وفي الداخل المحتل، يحمل الجيل الثالث مفاتيح بيوت أجداده.
أي سلام هذا؟ وأي حرب؟
السؤال الذي يفرض نفسه: أي سلام يُبنى على موت الأطفال في غزة، وتجريف الأراضي في جنين، وتشريد العائلات في الشيخ جراح؟ وأي حرب هذه التي تستمر سبعة عقود بلافتة “الدفاع عن النفس”؟ إنها حرب على الذاكرة، تُريد إخماد صوت الحق بالحديد والنار. لكن الأرض تتحدث بلغة أصحابها: فكل حجر في فلسطين يحمل اسمًا، وكل حبة قمح تُنبت رغيفاً يرفض التفتت.
يوم الأرض ليس تاريخاً في التقويم، بل هو كل يوم. هو صمود الفلاحة التي تُمسك بيديها منجلاً لتحصد ما تبقى من أرضها قبل مصادرة الجرافات لها. هو دم الشهيد الذي يُروي تراباً لن ينبت إلا حرية. فلسطين تُذكر العالم أن الأرض ليست سلعةً، بل هي كرامة، والكرامة لا تُساوم.