
الدكتورة فريزة.. أثرٌ خالدٌ في القلب والعلم ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
هناك أشخاصٌ يمرّون في حياتنا، لا كعابري سبيل، بل كنجومٍ مضيئةٍ في سماء العمر، يتركون أثرًا لا يُمحى، وبصمةً لا تبهت مع الأيام، ومهما ابتعدت بنا الدروب، تبقى ذكراهم عابقةً بأجمل المعاني. ومن هؤلاء، كانت الدكتورة فريزة، مشرفتي في مرحلة الدكتوراه في جامعة يوسيم بماليزيا، الإنسانة التي لم تكن مجرد أستاذةٍ ومشرفةٍ أكاديمية، بل كانت نموذجًا يُحتذى في العلم والأخلاق والتواضع.
العلم حين يمتزج بالإنسانية يصبح معجزة
منذ اللحظة الأولى التي التقيت بها، أدركت أنني أمام إنسانةٍ نادرة، تجمع بين العلم الواسع والقلب النقي، بين الدقة في البحث واللطف في التعامل. لم تكن فقط مشرفةً أكاديميةً تسير معي في طريق البحث العلمي، بل كانت أختًا وصديقةً ومرشدًا روحيًا، ترشدني بوعي، وتوجهني بحكمة، وتدفعني إلى الأمام بإيمانها بي.
كم كنت محظوظةً بأن تكون هي المصباح الذي أنار لي درب العلم، والسند الذي دعمني في لحظات التحدي! لم تكن مجرد أستاذةٍ تُلقي بالتوجيهات من برجٍ عالٍ، بل كانت إنسانةً تشارك طلابها مشاعرهم، تحتفي بإنجازاتهم، وتفرح لهم كما لو كانوا أبناءها.
العلاقة التي لم تنتهِ بالتخرج
كثيرًا ما تنتهي العلاقة بين الأستاذ وطلابه بمجرد انتهاء الدراسة، لكن العلاقة النبيلة لا يقيدها الزمن، ولا تحكمها المصلحة، بل تبقى متوهجةً كالشمس لا تعرف الغروب. وبعد تخرجي من جامعة يوسيم منذ أكثر من عامين، بقيت الدكتورة فريزة على تواصلٍ دائمٍ معي، وبقيتُ أنا ممتنةً لها، أحمل في قلبي جميلها وفضلها الذي لا يُنسى.
وما أروعها من لحظةٍ حين ناقشتُ أول رسالة ماجستير لطالبةٍ في جامعة النجاح الوطنية، إلى جانب الأستاذ الدكتور خالد دويكات، وأرسلت لها بعض مقاطع الفيديو والصور من المناقشة، فما كان منها إلا أن قالت لي كلماتٍ ستظل محفورةً في ذاكرتي إلى الأبد:
“دكتورة تهاني، أنا فخورةٌ بك، وأنا أشاهد الفيديو، رأيتك تعطين نفس ملاحظاتي ونفس أسلوبي!”
ما أعذب هذه الكلمات، وما أعمق أثرها! أن ترى أستاذتك فيك امتدادًا لها، أن تجد من علمك يرى انعكاس جهده فيك، هو أعظم شرفٍ قد يناله طالبٌ من أستاذه.
الأثر الطيب لا يموت
إن من أجمل ما يمكن أن يحمله الإنسان في حياته هو الوفاء لمن علمه، والامتنان لمن كان سببًا في نجاحه، فالنجاح ليس مجرد محطاتٍ نصل إليها، بل هو القلوب التي كانت جسورًا لنا، والوجوه التي أضاءت لنا الطريق.
الدكتورة فريزة، كنتِ وستظلين نموذجًا للعالِم الحق، الذي لا يكتفي بنقل المعرفة، بل يغرس في طلابه حبها، ويجعل من العلم رسالةً، ومن التوجيه أمانةً، ومن العطاء أسلوب حياة.
شكرًا لكِ، لأنكِ كنتِ أكثر من مشرفة، كنتِ روحًا تُلهم، ويدًا تمتد، وقلبًا يحتضن، وعلمًا لا يزول.
أثرك الطيب الجميل سيبقى خالدًا في حياتي، كما يبقى العطر في الورود مهما مر عليها الزمن.