
الأخت والصديقة إيمان مهند عجاوي.. صديقة الطفولة وأثرٌ لا يزول ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
تمر الأيام وتمضي السنون، ويمضي العمر سريعًا كما لو أنه حلمٌ نعيشه بين ومضةٍ وأخرى، لكن هناك أشخاصٌ يبقون في الذاكرة، ينحتون أسماءهم في القلب كما تنحت الأمواج الصخر في شاطئ البحر، وحين تعود بنا الأقدار لنلتقي بهم، نشعر أن الزمن لم يمضِ، وأن المشاعر الجميلة لا تعرف الفناء.
من بين هؤلاء الذين كانوا وما زالوا نجومًا في سماء العمر، الصديقة العزيزة ورفيقة الطفولة إيمان عجاوي، التي عرفتها منذ أن كنا طفلتين تتشاركان مقاعد الدراسة في مدرسة ذات النطاقين، حيث كانت زميلةً متميزة، مشرقة كالشمس، ومصدرًا لا ينضب للطاقة الإيجابية. كانت تتمتع بذكاءٍ لافت، ونشاطٍ لا يعرف الكلل، وابتسامةٍ تحمل في طياتها حبًّا للحياة والتعلم.
تحديٌ بنكهة المحبة
ما أجمل أيام الطفولة، حين كنا نتنافس في الدراسة، ليس بدافع الغيرة، بل بمحبةٍ خالصةٍ كصفاء السماء في يومٍ ربيعي! كنا نذاكر معًا، نشجع بعضنا بعضًا، ونفرح لنجاح إحدانا كما لو كان نجاحًا مشتركًا. كانت إيمان مثالًا للطالبة المجتهدة التي لا تعرف المستحيل، كانت دائمًا سباقةً للعلم، لا تهاب التحديات، ولا تقف أمام العقبات، وكأنها كانت تعلم منذ الصغر أن المعرفة هي السلاح الأهم في هذه الحياة.
افتراقٌ فرضته الحياة ولقاءٌ أعاد الزمن إلى الوراء
مرت الأيام، ومضت بنا الحياة في دروبها المتفرعة، وكما تأخذنا الأمواج في بحارٍ مختلفة، أخذتنا الظروف إلى أماكن متفرقة، فافترقنا دون وداعٍ، ولم نلتقِ لسنواتٍ طوال. لم تكن هناك رسائل، ولا اتصالات، لكن الذكريات الجميلة بقيت كزهرٍ متفتح في بستان العمر، لا تذبل ولا تفقد رونقها.
ثم جاءت الصدفة التي جمعتنا بعد سنواتٍ من الغياب، وكأنها هديةٌ من القدر، لحظةٌ أعادتني إلى ذاك الزمان الذي كنا فيه طفلتين تحملان أحلامًا كبيرةً وأرواحًا صافية. كان اللقاء أشبه بعودة طائرٍ مهاجر إلى عشه الأول، كان مزيجًا من الدهشة والفرح، نظراتٌ تبحث عن ملامح الطفولة في وجهٍ نضجته الأيام، وضحكاتٌ تعيد إلينا إحساس البراءة والنقاء.
كم كنت سعيدةً بها وفخورةً بها، وكم كانت هي سعيدةً بي وفخورةً بي! لم تتغير إيمان، فما زالت كما عرفتها، إنسانةً تحمل في قلبها النقاء، وفي روحها العطاء، وفي عقلها العلم والتميز.
الأثر الطيب لا يزول
وها نحن اليوم، بعدما عبرنا بحورًا من الأيام، ندرك أن الإنسان ليس عمره ولا سنواته، بل أثره الذي يتركه في قلوب من عرفوه. إنما الإنسانُ أثر، والأثر الطيب لا يزول، بل يظل خالدًا كما تبقى العطور في الأماكن التي مرت بها.
شكرًا لكِ، إيمان، لأنكِ كنتِ ولا زلتِ تلك الصديقة التي يبعث ذكرها في القلب نورًا وسلامًا، ولأنكِ كنتِ جزءًا من أجمل فصول حياتي.