
فرص جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية من خلال ميناء هاينان للتجارة الحرّة ، بقلم : تيان جيانينغ
سيشهد ميناء هاينان للتجارة الحرة هذا العام التشغيل الجمركي المستقل، مما يجعل عام 2025 عاما ذا أهمية خاصة.
وفي هذا السياق، يكتسب منتدى بوآو الآسيوي لعام 2025، الذي عُقد مؤخرا في هاينان، طابعا فريدا، حيث استضاف لأول مرة “المنتدى العالمي لتنمية موانئ التجارة الحرة” في قاعته الرئيسية. يركز هذا المنتدى على الاتجاهات العالمية لتطور التجارة الحرة، ودور مناطق التجارة الحرة “الموانئ الحرة”، وتعزيز التعاون التنموي، وذلك بهدف تعزيز الاستثمار والتجارة الدولية من خلال هذه المناطق.
يمثل ميناء هاينان للتجارة الحرة جزءا من الاستراتيجية الوطنية للصين لتعزيز الانفتاح الاقتصادي على مستوى عال، حيث بدأت عمليات إنشائها رسميا في عام 2020، ومن المقرر أن يتم تشغيلها الجمركي المستقل بالكامل خلال عام 2025.
وتشمل سياساتها الأساسية: “التعريفات الصفرية، ومعدلات الضرائب المنخفضة، ونظام الضرائب البسيط”، إلى جانب “الحريات والتسهيلات الخمسة” تشمل التجارة، والاستثمار، ورأس المال العابر للحدود، وتنقل الأفراد، والنقل. يهدف ميناء هاينان إلى بناء واحدة من أكثر النظم التجارية انفتاحا على مستوى العالم، ليكون بمثابة مركز محوري يربط الأسواق الصينية والدولية.
وفقا لأحدث البيانات الرسمية، شهدت هاينان في عام 2024 تسجيل 2072 شركة جديدة برؤوس أموال أجنبية، بزيادة 19.77% على أساس سنوي، ما جعلها تحتل المرتبة العاشرة في الصين من حيث حجم الاستثمار الأجنبي المباشر، والسابعة من حيث حجم الاستثمارات الخارجية. كما استثمرت 149 دولة ومنطقة في هاينان حتى عام 2024، حيث أنشأت 104 شركات متعددة الجنسيات مقراتها الإقليمية فيها، بما في ذلك 77 شركة من بين أقوى 500 شركة في العالم.
شهدت السنوات الأخيرة تناميا ملحوظا في التعاون بين الصين والدول العربية، حيث تعمقت الشراكة الاقتصادية في إطار مبادرة “الحزام والطريق”. وفي عام 2024، تجاوز حجم التبادل التجاري بين الجانبين 400 مليار دولار، مع توسع التعاون في مجالات الطاقة، البنية التحتية، والاقتصاد الرقمي. وفي ظل هذا التطور، تتيح سياسات الانفتاح والابتكار المؤسسي في ميناء هاينان للتجارة الحرة ثلاث فرص جديدة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية:
- تسريع تداول السلع بين الصين والدول العربية من خلال تحرير التجارة
توفر سياسة “التعريفات الصفرية” التي تنفذها هاينان ميزة تنافسية كبيرة للمنتجات القادمة من الدول العربية، حيث تشمل هذه السياسة المواد الخام، وسائل النقل، اليخوت، والمعدات الإنتاجية، مما يخفض التكلفة التجارية بشكل كبير. وقد شهدت هاينان زيادة كبيرة في استيراد المنتجات الغذائية، مستحضرات التجميل، والسلع الفاخرة من الشرق الأوسط، إلى جانب استفادة المنتجات البتروكيميائية القادمة من الإمارات والسعودية من الإعفاءات الجمركية، مما يمكنها من الدخول إلى هاينان لإعادة معالجتها ثم تصديرها إلى الأسواق العالمية. - تعزيز التعاون الصناعي وتطوير سلاسل الإمداد بين الصين والدول العربية
تركز هاينان على تطوير الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل صناعة الخدمات الحديثة، التصنيع الذكي، علوم الحياة، والاقتصاد الرقمي، مما يفتح المجال أمام الدول العربية للاستفادة من فرص التعاون التكنولوجي والتحديث الصناعي والاستثمار. على سبيل المثال، في عام 2024، وقع ميناء يانغبو في هاينان مذكرة تفاهم مع ميناء أبوظبي لتعزيز التعاون في تطوير الموانئ، خدمات الشحن، والطاقة الخضراء، مما يعزز قدرات الموانئ ويوسع نطاقها. كما استقطبت منطقة هاينان التجريبية للتعليم الدولي طلابا دوليين من العديد من البلدان، بما في ذلك السعودية ومصر للدراسة فيها. - فرص جديدة للتعاون في مجال التمويل والاقتصاد الرقمي
تسعى هاينان إلى تعزيز الابتكار المالي عبر الحدود، واستكشاف تدويل عملة الرنمينبي الرقمي وتسهيل تسوية الرنمينبي، وهو ما يحمل أهمية كبيرة للدول العربية، لا سيما الإمارات والسعودية، اللتين تعملان على تطوير أنظمة التسوية بالعملات المحلية. ومن خلال التعاون مع هاينان، يمكن لهذه الدول تقليل تكاليف التحويلات المالية وتعزيز التجارة الثنائية والاستثمار. كما تسهم سياسات هاينان في مجالات البلوك تشين، المدفوعات العابرة للحدود، والتجارة الرقمية في دعم التعاون بين الصين والدول العربية في مجال التكنولوجيا المالية.
وباعتباره نقطة انطلاق جديدة لانفتاح الصين على العالم الخارجي، فإن ميناء هاينان للتجارة الحرة لن يكون له تأثير عميق على التنمية الاقتصادية المحلية فحسب، بل سيصبح أيضا نقطة ارتكاز مهمة للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني العربي في إطار مبادرة “الحزام والطريق”. وفي المستقبل، لن تصبح هاينان مركزا مهما لرأس المال والتجارة الدولية فحسب، بل ستتحول إلى “ممرا ذهبيا” يربط الصين والعالم العربي.