
الدكتورة رشا راغب عطاالله .. بصمةٌ لا تُمحى في درب العطاء ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات
هناك أشخاصٌ يعبرون حياتنا مرورًا عابرًا، وهناك آخرون يتركون أثرًا خالدًا، كما تترك الأنهار مجراها في قلب الأرض، يهبون من وقتهم، وجهدهم، وروحهم، لمن حولهم دون مقابل، فقط لأنهم يؤمنون بأن العطاء هو أسمى ما يمكن أن يقدمه الإنسان في رحلته القصيرة على هذه الأرض. ومن بين هؤلاء الذين حفروا في القلب مكانًا لا يُمحى، كانت الدكتورة رشا راغب عطاالله، الإنسانة التي تجسد في شخصها الطموح، والنبل، والتواضع، والعطاء اللامحدود.
التطوع.. رسالةٌ تُهدى بحب
عرفتُ الدكتورة رشا كزميلةٍ لي عندما كنت عضوة في الاتحاد العام لطلبة فلسطين في ماليزيا، وكانت هي الأخرى عضوةً تحمل بين يديها رسالة إنسانية عظيمة، وروحًا متقدة بالعطاء. كنا نعمل معًا في خدمة الطلبة الفلسطينيين في الجامعات الماليزية، نحمل همومهم كأنها همومنا، ونبحث لهم عن حلول وكأنها مشكلاتنا الشخصية. لم تكن ترى العمل التطوعي مجرد واجب، بل كانت تعيشه بشغف، كأنه جزءٌ من رسالتها في الحياة، لم يكن هناك وقتٌ للشكوى أو التذمر، بل كانت كل لحظةٍ تقضيها في خدمة الطلبة تُضيء دربها، وتملأ قلبها بالرضا والسعادة.
في دروب الحياة.. نجد من يكون لنا سندًا
تمر بنا محطاتٌ صعبة، تحتاج فيها الروح إلى من يخفف عنها وطأة الترحال، ومن يمد لها يد العون دون انتظار مقابل. وفي أحد تلك المحطات، تواصلت مع الدكتورة رشا راغب عطاالله لاستشارتها بخصوص الإجراءات النهائية لمناقشة الدكتوراه، وكم كانت كريمةً في عطائها، لم تبخل عليّ بمعلومة، ولم تتردد لحظةً في تقديم الدعم والمساندة، كانت كالأخت الكبرى التي تحتضن القلق، وترشد إلى الطريق بثقةٍ وطمأنينة.
الألم لا يمنع العطاء.. بل يجعله أنبل
ورغم ما تحمله الدكتورة رشا من جراح الفقد، فقد كانت إنسانةً لا تنكسر، بل تنثر من ألمها نورًا يُضيء للآخرين. فقدان الوالدين جُرحٌ لا يندمل، لكنه لم يمنعها من الاستمرار، ولم يثنِها عن رسالتها، بل زادها قوةً وإصرارًا على أن تكون بصمةً طيبةً في حياة من حولها، ويدًا تمتد بالعون لكل محتاج.
إنما الإنسانُ أثر
إن كان هناك درسٌ علمتني إياه الدكتورة رشا ، فهو أن الإنسان يُقاس بعطائه، وليس بما يملك، وأن أثر الطيبين لا يضيع، بل يبقى ممتدًا في قلوب من عرفوهم. لذا، لا يسعني إلا أن أقول لها “شكرًا”، شكرًا بحجم السماء على روحكِ النقية، وعطائكِ الذي لا يعرف الحدود، وقلبكِ الذي لم يعرف إلا الخير.
شكرًا دكتورة رشا، لأن أثركِ سيبقى خالدًا، وذكراكِ ستظل محفورةً في القلوب، كغيمةٍ ماطرة أينما حلت، أنبتت خيرًا وتركَت أثرًا لا يُنسى.