
الدكتورة نور قلالوه ، روح العطاء وصوت النقاء ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
هناك أشخاص يعبرون حياتنا كما تعبر النسائم اللطيفة في صباح ربيعي، يتركون أثرًا لا يمحوه الزمن، ويغرسون في قلوبنا حبًا خالدًا لا يعرف الفناء. أشخاص يمنحون بلا مقابل، ويسيرون في دروب الحياة حاملين في أرواحهم نورًا يضيء العتمة. ومن بين هؤلاء كانت الصديقة، والأخت، والدكتورة الفاضلة نور قلالوه، تلك الإنسانة التي جسّدت بأخلاقها معنى النقاء، وبعطائها جوهر الإخلاص، وبحبها للبشرية روح الإنسانية الصافية.
الصداقة التي وُلِدت بين الكتب وقاعات العلم
عرفتُ الدكتورة نور قلالوه في مرحلة الماجستير، حين جمعنا الشغف بالعلم، والإيمان بأن المعرفة رسالة لا تكتمل إلا إذا مُنحت بصدقٍ ومحبة. لم تكن مجرد زميلة دراسة، بل كانت أختًا تحمل في قلبها نقاء الأصدقاء الأوفياء، وفي روحها إخلاص الأخوات الصادقات.
كانت ذكية، متواضعة، تحمل في داخلها روحًا متألقة، لا تعرف الأنانية، بل تؤمن أن المعرفة نورٌ يُضيء العقول، ولا ينبغي أن يُحجب عن أحد. وكم كانت أيامنا تلك حافلة بالعمل الجاد والسهر الطويل، حين كنا نبحث وندرس ونتشارك الأفكار كأننا كيانٌ واحد، كأننا نرسم معًا لوحة لا تكتمل إلا بجهدنا المشترك وتعاوننا الصادق.
معًا في ميدان التعليم.. ومعًا في درب العطاء
لم تقف صداقتنا عند مقاعد الدراسة، بل امتدت إلى ميدان التعليم حيث أصبحت كلٌّ منا تحمل رسالة سامية بين يديها. كنتُ أعمل في مدرسة، وكانت تعمل في أخرى، ولكن هذا لم يكن حاجزًا بيننا، بل كان جسرًا ممتدًا من التعاون والتآزر. كنا نتشارك الملفات، ونماذج الامتحانات، وأوراق العمل، لأننا كنا نؤمن بأن العطاء في التعليم ليس خيارًا، بل واجبًا، وأن البخل في العلم جريمة لا تغتفر.
كم كان جميلًا أن أجد في نور شريكة تحمل ذات المبادئ، وتؤمن أن النجاح الحقيقي ليس نجاحًا فرديًا، بل نجاحٌ يمتد ليشمل الجميع. كانت دائمًا تقول: “المعلم الذي يحتفظ بعلمه لنفسه، كالقمر الذي يرفض أن ينير الظلام!”، وكانت هذه القناعة تنعكس في كل تصرفاتها، حيث كانت تمنح من حولها علمها بحب، وتقدم دعمها بإخلاص، وتحتضن الجميع بروح نقية لا تعرف سوى الخير.
سندٌ في الفرح.. وبلسمٌ في الحزن
كانت نور الصديقة التي تفرح لنجاحي كما لو كان نجاحها، تقف بجانبي بكل حبٍ وصدق، وعندما تعصف بي الحياة، كنتُ أجدها هناك، تمسح عني الهمّ، وتعيد إليّ الأمل. لم تكن مجرد زميلة أو صديقة، بل كانت ملاذًا آمنًا في أوقات الفرح والحزن على حدٍ سواء.
الأثر الذي يبقى.. والنور الذي لا ينطفئ
كم هو جميل أن تترك أثرًا طيبًا في قلوب من حولك، وكم هو أروع أن يكون عطاؤك خالدًا لا يُنسى. والدكتورة نور قلالوه لم تكن مجرد زميلة دراسة، بل كانت نموذجًا للعطاء بلا حدود، والتفاني بلا مقابل، والحب النقي الذي لا تشوبه مصلحة.
شكرًا دكتورة نور، لأنك كنتِ وما زلتِ رمزًا للعطاء، وشكرًا لأنك جعلتِ من العلم رسالة حب، ومن التعاون جسرًا للنجاح، ومن الصداقة نموذجًا خالدًا للحب الصادق.
إنما الإنسان أثر، وأثركِ سيظل خالدًا مدى العمر، يشهد عليه كل من عرفكِ وأحبكِ وامتدت إليه يدكِ البيضاء.