6:37 صباحًا / 2 أبريل، 2025
آخر الاخبار

يوم الأرض ، عهد يتجدد، وجذور لا تُقتلع ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

يوم الأرض ، عهد يتجدد، وجذور لا تُقتلع ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

يوم الأرض: عهد يتجدد، وجذور لا تُقتلع ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

في كل ذرّة تراب فلسطينية، في كل شجرة زيتون تمتد أغصانها كأذرع عاشق يحتضن السماء، في كل موجة تتكسّر على صخور عكا، وفي كل نسمة تعبر الحقول، هناك قصة تُحكى، ووطن يُخلّد، ودمٌ سال ليحفظ الأرض ويكتب للتاريخ حكاية البقاء. نحن أبناء هذه الأرض، نحملها في قلوبنا كما يحمل النهر أسرار منبعه، وكما تحمل النجوم ضوءها في عتمة الليل، لا نتخلى عنها، ولا تتخلى عنا، فهي ليست مجرد ترابٍ وحجارة، بل ذاكرةٌ ووجود، وهي الحكاية التي لم تنتهِ، والقصيدة التي لم تكتمل أبياتها بعد.

يوم الأرض الفلسطيني ليس مناسبةً تمرّ في صفحات التقويم، بل هو نبضٌ متجدد في صدر كل فلسطيني، وعدٌ وميثاقٌ كتبناه بدم الشهداء، وإرادة الأحياء، وصمود الأجيال. ففي الثلاثين من آذار لعام 1976، عندما حاول الاحتلال الصهيوني اقتلاع جذورنا من أرضنا عبر مصادرة آلاف الدونمات من القرى الفلسطينية، كان الردُّ كزلزالٍ هزّ الأرض تحت أقدام المحتل، فانتفضت الجماهير كما تشتعل النار في الهشيم، معلنةً أن الأرض ليست للبيع، وأنها ليست عقارًا يمكن تداوله في صفقات المحتل، بل هي هويةٌ وانتماء، وكرامةٌ وحياة.

من الجليل حتى النقب، انتفضت فلسطين في ذلك اليوم، كطائر الفينيق الذي ينهض من رماده، متحديةً كل محاولات الطمس والمحو، فسالت دماءٌ طاهرة، وارتقى ستة شهداء كانوا كشمعاتٍ أضاءت درب الحرية، وأصيب واعتقل المئات، لكن الرسالة كانت واضحةً كالشمس في وضح النهار: الأرض لنا، ولن تكون لغيرنا، ولو زُرعت الأسلاك الشائكة في كل حقل، ولو أُقيمت الجدران في كل زقاق، فنحن للأرض وهي لنا، كتوأمين لا ينفصلان، وكروحٍ لا تفارق الجسد.

لم يكن يوم الأرض مجرد احتجاجٍ عابر، بل كان ولادةً جديدة لروح المقاومة، وتأكيدًا على أن الفلسطينيين داخل الوطن المحتل عام 1948 هم جزءٌ لا يتجزأ من شعبهم وأمتهم، وأنهم وإن حاول الاحتلال حصارهم بالجنسية أو فرض الهويات الزائفة عليهم، فإن فلسطين تسكن فيهم كما يسكن الماء في عروق الشجرة، لا تموت، ولا تُنسى.

واليوم، وبعد عقود من تلك الانتفاضة المباركة، يعود يوم الأرض متزامنًا مع أول أيام عيد الفطر السعيد، وكأن القدر أراد أن يجمع بين الفرح والحزن، بين المقاومة والعيد، ليذكرنا بأن الفرحة الحقيقية لن تكتمل إلا بزوال الاحتلال، وأن أجمل الأعياد هو يوم نرى فيه راية فلسطين تخفق حرةً في سماء القدس، وتعود غزة الجريحة إلى حضن الوطن بلا حصار، ويعم السلام في أزقة نابلس وخليل الرحمن، وتغدو العودة حلمًا يتحقق لا مجرد شعارٍ يُرفع.

نرفع أكفنا إلى السماء، ونهمس بدعائنا كما يهمس العاشق لليل، أن يحفظ الله أرضنا وأبناء شعبنا، وأن يثبتهم كما تثبت الجبال الراسخة في وجه الريح، وأن ينصرهم كما ينصر الحق على الباطل. في غزة، حيث العيد يُزفُّ بالدمع، وفي الضفة حيث الألم يُروى بالصبر، وفي المخيمات حيث الحنين يكتب قصة انتظارٍ طويل، هناك وطنٌ ينهض من تحت الركام، وشعبٌ لا ينكسر، لأن الجذور التي سُقيت بالدم لا تموت، ولأن شمس الحرية مهما غابت، ستعود لتشرق من جديد.

كما تعود الطيور إلى أوكارها مهما ابتعدت، وكما تحفر الأنهار مجاريها في الصخور مهما قاومتها، وكما يزهر الربيع رغم قسوة الشتاء، سنعود إلى أرضنا، وسيعود النشيد الذي غنّاه الشهداء ليُسمع في أرجاء العالم، وسنروي للأجيال القادمة قصة الأرض التي لم تُبع، والكرامة التي لم تُدنس، والحق الذي لم يُنسَ، لأننا نحن الأرض، والأرض نحن، وبدونها لا حياة، ولا فرح، ولا عيد.

شاهد أيضاً

أسعار الذهب اليوم

أسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت أسعار الذهب اليوم الأربعاء 2 أبريل كالتالي :عيار 22 65.300عيار 21 62.400