
معاذ فؤاد أبو خضير ، العقل الرقمي الذي يُعيد تشكيل النجاح ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
صوتٌ في مهبّ العاصفة
في عالمٍ يُدار بالأرقام والخوارزميات، حيث تتحكم الشبكات الاجتماعية فيمن يُسمح له بالكلام ومن يُفرض عليه الصمت، وجدتُ نفسي فجأةً في مواجهة غير عادلة. كنتُ قد نشرتُ مقطعًا يوثّق مجزرةً من المجازر التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني في غزة العزة وجنين البطولة، مجزرةٌ لم يكن يجب أن تمرّ في صمت، لأن الصمت يعني القبول، والقبول يعني استمرار الظلم.
لكن في هذا العالم الافتراضي، الحقيقة ليست دائمًا موضع ترحيب. لم يمرّ سوى ساعات قليلة، حتى وجدتُ حسابي على فيسبوك وإنستغرام وقد سُحب منه التوثيق، ثم بدأتُ أواجه قيودًا غامضة، حتى كدتُ أفقد الحساب تمامًا. أربعون ألف متابع، مئات المقالات، عشرات المقابلات، سنواتٌ من العمل الجاد، وكلها مهددة بالاختفاء بقرارٍ إلكترونيٍّ تعسفيّ.
شعرتُ بالغضب، بالحزن، بالعجز. كيف يمكن أن يكون قول الحقيقة جريمة؟ كيف يمكن أن يُمحى عمل خمسة عشر عامًا بجرة زر؟ كيف أصبح توثيق المعاناة خرقًا لقواعد لم تتضح لي ملامحها حتى اللحظة؟ كنتُ كمن يُشاهد جدران بيته تنهار أمامه، دون أن يستطيع منعه.
لكن وسط هذه العتمة، ظهر لي أمل. ظهر اسمٌ ظل يتردد على مسامعي مرارًا: “الأستاذ معاذ فؤاد أبو خضير”. قيل لي إنه ليس مجرد خبيرٍ تقنيّ، بل عقلٌ رقميٌّ استثنائيّ، رجلٌ لم يتقن فقط التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي، بل استطاع أن يُعيد تشكيل قواعد النجاح فيها، شخصٌ لا يعرف المستحيل عندما يتعلق الأمر بحماية الأصوات التي يُراد لها أن تختفي.
فارس التقنية وسط الظلام
لم أتردد في التواصل معه، لكنني لم أكن أتوقع استجابة سريعة، خصوصًا وأنا أعلم أن غزة تعيش في حصارٍ رقميٍّ خانق، حيث الكهرباء شحيحة، الإنترنت بطيء، والاتصال بالعالم الخارجي يشبه مخاطبة كوكب آخر.
لكن معاذ أجابني فورًا، بصوتٍ هادئ يحمل ثقةً مطلقة. “لا تقلق، سأفعل كل ما بوسعي”، قالها وكأنه يتعهد بخوض معركةٍ لا يقبل فيها بالهزيمة.
ورغم ضعف الإنترنت، ورغم انقطاع الكهرباء المتكرر، لم يكتفِ بمحاولة المساعدة من خلف شاشته، بل خرج من منزله، وسار لمسافاتٍ طويلة بحثًا عن نقطة اتصال مستقرة، كأنما كان يقاتل في معركةٍ لا سلاح له فيها إلا علمه وصبره وإصراره.
في تلك اللحظة، أدركتُ أنني لم أتواصل مع خبير تقنيٍّ عاديّ، بل مع رجلٍ نذر نفسه ليكون حارسًا رقميًا لأولئك الذين يُحاربون من أجل الحقيقة.
الفصل الثالث: الاختراق العكسي – معركة بلا أسلحة
لم يكن استرجاع الحساب مجرد مسألة تقنية، بل كان أشبه بلعبة شطرنج، حيث تتحرك الخوارزميات كجنودٍ غير مرئيين، وحيث يجب أن تكون كل خطوةٍ مدروسةً بدقة، وإلا سقطتَ من اللعبة تمامًا.
لكن معاذ لم يكن مجرد لاعبٍ في هذا الميدان، بل كان مهندسًا رقميًا يفهم كيف تتحرك الخوارزميات قبل أن تتحرك، ويدرس كل احتمال قبل أن يصبح واقعًا.
ساعاتٌ طويلة من العمل، تحليلاتٌ دقيقة، تواصلٌ مستمر، حتى جاءتني أخيرًا تلك الرسالة التي كنتُ أنتظرها:
“لقد استعدتُ الحساب، وعملتُ على إعادة توثيقه. كل شيء أصبح في أمان.”
لم أصدق عيناي! وكأنني كنتُ أغرق في بحرٍ متلاطم الأمواج، ثم جاء معاذ ومدّ يده وانتشلني قبل أن أبتلع الماء الأخير.
بطلٌ في الخفاء
لكنني لم أكن الوحيدة. حين بدأتُ أتحدث مع زملائي وأصدقائي، اكتشفتُ أنني مجرد واحدةٍ من عشرات الصحفيين والمؤثرين الذين أنقذهم معاذ من سجون المنصات الرقمية.
لم يكن الأمر مجرد إعادة حسابات، بل كان معركة لاستعادة الحق في التعبير، لاستعادة أصواتٍ أُريد لها أن تُخرس، لاستعادة حضورٍ رقميٍّ كاد أن يُمحى قسرًا.
من كان يظن أن وسائل التواصل الاجتماعي التي وُجدت لإيصال أصوات الناس، قد تحولت إلى منصات تُقرر من يُسمح له بالكلام، ومن يجب أن يُحجب؟
لكن في هذا الظلام الرقمي، كان هناك رجلٌ واحدٌ يُعيد التوازن، رجلٌ يُجيد فكّ القيود الإلكترونية كما يُجيد القراصنة اختراق الأنظمة، لكنه كان يفعل ذلك لاستعادة الحق، لا لسلبه.
دروسٌ في النجاح الرقمي
لم يكن معاذ مجرد خبير تقنيٍّ في نظري بعد ذلك، بل كان معلمًا رقميًا علّمني الكثير عن عالمٍ كنتُ أظنه واضحًا، لكنه في الحقيقة كان شبكةً متداخلة من القواعد غير المعلنة، والتحكم الخفيّ، والمصالح المتشابكة.
علّمني أن النجاح الرقمي لا يتحقق بالحظ، بل بالفهم العميق للخوارزميات، وبالقدرة على التكيف مع تغييراتها المستمرة.
علّمني أن حماية الحسابات ليست رفاهية، بل ضرورة لمن يعيشون في قلب العواصف الإعلامية والسياسية.
علّمني أن هناك رجالًا مثل معاذ، لا يبحثون عن الشهرة، بل يصنعون التغيير بصمت، تاركين أثرًا لا يُمحى.
رسالة إلى معاذ
إلى الأستاذ معاذ فؤاد أبو خضير، الرجل الذي لم يكن مجرد عقلٍ رقميّ، بل حارسًا للعدالة الرقمية، أقول:
“لم تُعيد لي حسابًا، بل أعدت لي حقي في التعبير. أعدت لي صوتي الذي حاولوا إسقاطه. وأعدت لي إيماني بأن هناك دائمًا من يُحارب من أجل الحقيقة، حتى في عالمٍ رقميٍّ يملؤه الظلم.”
في زمنٍ أصبحت فيه السوشيال ميديا ساحة معركة، حيث يُكمم الأقوياء أصوات الضعفاء، وحيث تختفي الحقيقة خلف شاشات التحكم، كنتَ أنتَ القائد الذي لا يخسر معاركه، لأنك لم تقاتل من أجل المال أو الشهرة، بل من أجل الحق.
لأن النجاح ليس محطةً نصل إليها، بل رحلةٌ نصنعها، ومن يملك عقلًا مثل معاذ، لا يقف عند حدود، بل يخلق النجاح حيثما حلّ.