
صلة الرحم بين الواجب وصدق المشاعر ، بقلم : إيمان مرشد حماد
في فترة ما قبل العيد تنتشر الكثير من المنشورات حول صلة الرحم وجبر الخواطر والعلاقات الأسرية سواء في الأسرة الصغيرة الواحدة أو الأسرة الكبيرة الممتدة.
وفي فترة هذا العيد انتشر منشور آخر -أظنه وليد فترة انقطاع الرواتب – مفاده أن النساء لا تريد العيديات ولا الملابس لأنهنَّ لا يُردنَ الضغط على الرجال.
وهنا أريد أن أحلل محتوى هذه المنشورات لأنها تعكس ظواهر اجتماعية هامة قد يغفل عنها الكثيرون ، وسأبدأ بحملة ” لا نريد العيديات ولا الملابس”.
هذه دعوة تعاطفية إيجابية تنطلق من مراعاة الظروف التي يمر بها الموظفون في هذه الفترة الحرجة التي هي جزء الضيق الإقتصادي والحصار الخانق على شعبنا، ولكن هل التعبير عن الحب يكون فقط بالمال؟ وهل تكفي الملابس والعيديات لتُدلّل على الحب والمودة؟
برأيي هناك عيديات وهدايا تُعطى وهي خالية من المشاعر وكأنها حليب منزوع الدسم وهناك من يقبلها لأنه لا يكترث للمشاعر بل تهمه المادة فقط، وهناك من إذا رأتْ الحُب والود والتقدير تقبل الهدية لأنها جزء من الحب والاهتمام الذي تشعر به من مقدم الهدية أو العيدية. وهناك من تحاول ان ترُد الهدية بأحسن منها لعائلة أخيها أو قريبها لأنها تعلم بحاجتهم وإيثارهم لها على أنفسهم وهناك من تاخذ الهدية ولا تكترث للتفكير في شيء آخر.
ولكن علينا أن ننتبه ان البعض لا يؤدي واجبه لا مادياً ولا عاطفياً فالضيق المادي ليس مبررا للبرودة وعدم مراعاة مشاعر مَن تعتبر رحمك أو من تُعتبر امانة لديك فهناك قضايا ليس لها علاقة بالمال ، ويمكن أن تصل إلى القلب مهما كانت الهدية بسيطة أو حتى لو انعدمت ، اما المؤلم حقا فهو البخل العاطفي وعدم إظهار الاهتمام والرحمة والمودة .وحتى يمكن أن نقول أن الرغبة في العطاء هو أحد مظاهر الحب في حالة لم يعاني الفرد من ضيف ذات اليد.
اما المنشور الثاني فمفاده أن العظام تُجبر ولكنَّ الخواطر إذا كُسرت فلن تُجبر، وهنا لا بد ان اقول
ان الخواطر يجب ان تُجبر في كل أوقات السنة وليس موسمياً ، وأعتقد جازمة أن كل من يكسر الخواطر ويقطع رحمه لا يجهل فداحة ذنبه ، وإنما يكابر ويتمادى فيه. ومعنى كثرة تداول المنشور هو انتشار قطيعة الرحم وكسر الخواطر في فترة العيد التي تتوقع فيها المرأة من ابيها وأخيها وزوجها وعمها وخالها أن يصلوها ويجبروا خاطرها حتى وإن كانوا لم يفعلوا في الأيام العادية.
ثانيا: أود أن أقول الآن للأمهات الشابات عليكنَّ زرع صلة الرحم وجبر الخواطر في أبنائكن منذ الطفولة لأن من شبَّ على شيء شاب عليه، فلا تفضلي ابنك على ابنتك وتنزعي أشيائها لتعطيها له فيعتاد على كسر خاطرها.
ثالثا: أود ان أقول للمرأة التي لا تحث زوجها على جبر الخواطر أو تلك التي تقطع رحم زوجها وفي الوقت ذاته تتوقع صلة أرحامها أنك تعانين من فصام الشخصية وانت ضالة ومُضلة، وزوجك الذي يقطع رحمه لأجلك ليس له من الرجولة إلا الشنب أيضا فلتدافعي عنه (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه).
ثالثا: الرجل هو من يحتاج الرحمه بدعوة من القلب وعمل صالح في صحيفة عمله اما المرأة فإنها في النهاية لن تموت من كسر خاطرها ، صحيح ستتألم لبرهة ولكن ستنسى ولكن الله لا ينسى. “ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يرى ومن يعمل ذرة شرا يرى.”
وإضافة إلى ما سبق، من الملاحظ أن هناك مفهوم مغلوط عن صلة الرحم فبعض الناس تفهم نصف ما أراد الله من صلة الرحم ويمكن شرح المقصود من خلال التساؤلات التالية:
١. هل تعني صلة الرحم إحسان الرجل فقط لأرحامه أم أنها تشمل أيضا تبادل الإحسان بالإحسان سواء من الذكور أو من الإناث ؟
٢. هل صلة الرحم تعني أن يحسن أخي أو قريبي لبناتي بينما انا لا احسن لبناته أو انا اُحسن لعائلته ولا يفعل هو ذات الشيء؟
٣. هل صلة الرحم هي انه على زوجة أخي الإحسان لي بينما انا ليس علي ذلك؟
٤. هل تعني صلة الرحم ان اكون غنية وأتوقع من أخي ان يعطيني حتى لو كان فقيراً ؟
٥. هل تعني صلة الرحم ان أُسيء لأخي ولعائلته بكل الوسائل وهو مجبر بأن يتحمل لأني رحمه ؟
٦. هل زوجة أخي مُجبرة ان تتحمل مني كل شيء لأنني رحم زوجها أو هل عليَّ كاخت ان اتحمل الأذى من زوجة أخي كرمة له؟
أم أن المقصد الشرعي من وراء صلة الرحم هو عملية تبادلية من الأخ والأخت وزوجة الأخ وأخت الزوج وزوج الأخت وكل الأقارب والأرحام بحيث يؤدي كل فرد واجباته ويأخذ حقوقه؟
وفي النهاية :
لا تكن انتقائيا في صلة رحمك تصل بعضا وتقطع آخر.
لا تكن انتقائيا في حبك لأخيك و أختك تحب البعض وتحسن اليهم وتهمل البعض الآخر.
لا تكن انتقائيا ترى اخطاء الناس وتتغاضى عن اخطائك.
إما إذا كنت انتقائيا معهم فلا تتوقع منهم أن يعاملوك بموضوعية لأن الانتقائية تنفي الموضوعية. لا تفعل الخطأ وتتوقع الصواب.
واخيرا إن اضعنا البوصلة فلنا في القرآن كل ما نبحث عنه من أصول الإحسان والصلة ولنا في الأحاديث النبوية ما يضعنا على الطريق الصحيح إن ضللناه. وكل عام وانتم بألف خير اعاده الله علينا وقد تحررت البلاد والعباد ورزقنا وإياكم الصلاة في المسجد الأقصى المبارك.
إيمان مرشد حماد