
الأخت والصديقة سكينة الحاج ، الصبر النقي والأثر الخالد ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
هناك أناسٌ يمرّون في حياتنا كنسائم الفجر، خفافٌ على القلب، لكن أثرهم يبقى خالدًا لا تمحوه الأيام. وهناك أناسٌ يكونون كالشموع، يضيئون لنا الطريق، حتى وإن كانوا يغرقون في ظلام الألم.
وهكذا كانت، ولا تزال، الأخت والصديقة سكينة الحاج، التي أثبتت لي أن حب الخير للغير جهادٌ لا تقدر عليه كل النفوس، وأن القلوب النقية لا تُعرف إلا في لحظات الاختبار.
سكينة… حين يكون الحب صدقًا بلا انتظار مقابل
عملتُ في المدرسة لأكثر من عشر سنوات، عرفتُ فيها العشرات من الزميلات، لكن حين غادرت، أدركت أن المحبة الحقيقية لا تُقاس بعدد من حولك، بل بعدد القلوب التي تبقى معك رغم المسافات.
أكثر من ثلاثين معلمة كنّ في المدرسة، لكن القليل منهنّ هنّ من بقين في حياتي بصدق. وسكينة كانت واحدة من هؤلاء القلائل، من تلك الأرواح النادرة التي لا تتغير بالمكان أو الزمان.
لم تكن تتركني للغياب، كانت دائمًا تسأل عني، ولو بكلمة، ولو برسالة واحدة في الأسبوع، كأنها تقول لي: “أنا هنا، لم ولن أنساكِ.”
كم هو ثمينٌ أن يكون في حياتك شخصٌ يذكرك رغم زحام الدنيا، شخصٌ يمنحك دفءَ الكلمة حين تحتاجها، ولا يتركك وحيدًا في صخب الحياة!
سكينة… مدرسة في الصبر والإيمان
الحياة ليست عادلة دائمًا، فهي تأخذ منا الكثير، وتختبر قلوبنا بما لا تحتمله الجبال. ولكن هناك أناسٌ يواجهون الألم بصلابةٍ نادرة، يجعلون من الحزن درسًا في الصبر، ومن الفقد محطةً للثبات.
وسكينة هي إحدى هؤلاء، ممن لا تهزمهم المصائب، بل تزيدهم يقينًا بالله.
رأيتها تفقد والدتها، وكأن القدر كان يأخذ من قلبها قطعةً تلو الأخرى. ثم استشهد شقيقها وابنه، ليصبح الألم مضاعفًا، والغصة أكبر من أن تُحكى.
وحين اتصلتُ بها لأواسيها، كنت أبحث عن كلمات تهوّن عليها المصاب، عن عبارات تُخفف من ثقل الفقد.
لكنها كانت هي من يواسيني بكلماتها، بصبرها الذي يشبه صبر الأنبياء، بيقينها الذي لم يهتز رغم العواصف.
قالت لي يومها:
“الحمد لله… ربنا اختارهم، وأنا مؤمنة بحكمته.”
يا الله، أي قلبٍ هذا الذي يحتمل كل هذا الألم، ثم لا يزال قادرًا على قول “الحمد لله”؟
سكينة… أثرٌ لا يُمحى من القلب
ليس الجميع يستطيعون أن يكونوا نورًا في حياة غيرهم، وليس الجميع يملكون ذلك القلب الذي يعطي بلا مقابل، ويحب بلا شرط.
لكن سكينة كانت استثناءً، كانت بصمةً طيبة في حياتي، كانت درسًا في الصبر، ومعنىً حقيقيًا للصداقة النقية.
شكرًا لكِ يا سكينة، لأنكِ كنتِ الأخت التي لا تغيب، والصديقة التي لا تتغير، والروح التي تُضيء حتى في أحلك الظروف.
إنما الإنسانُ أثر، وأنتِ يا سكينة أحد أجمل الآثار التي لا تُمحى.