
فلسطين بين نيران الحرب ومخططات التهجير ، لحظة الحقيقة وضرورة المراجعة ، بقلم : مروان أميل طوباسي
في خضم واحدة من أكثر الحروب تدميراً وإبادةً، يواجه الفلسطينيون في غزة والضفة وكل زوايا الوطن والشتات تهديدا وجوديا يتجاوز المواجهة العسكرية مع الأحتلال الإسرائيلي الإستعماري . ما يجري اليوم ليس مجرد صراع بين إسرائيل وحماس ، بل هو امتداد لمخطط أستيطاني أستعماري إحلالي يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية برمتها، وإعادة رسم الخريطة الديموغرافية لصالح “إسرائيل الكبرى” ، من خلال جريمة التهجير التي يسعى لها نتنياهو ومؤخرأ من خلال أوامر أعطيت للموساد باجراء محادثات مع الصومال وجنوب السودان بالإضافة الى دول اخرى من بينها إندونيسيا ، وفق ما ذكره موقع اكسيوس اليوم . حيث تسعى دولة الأحتلال لدفع هذا التحرك قدما وسريعاً واتخاذ تدابير عسكرية أخرى لأجبار خروج الفلسطينيين من غزة ، بينما تستأنف الحرب وتصدر أوامر إخلاء لسكان القطاع .
— المعادلة الصعبة،المقاومة أم النجاة؟
لطالما كانت المقاومة حقا مشروعا للشعوب التي تواجه الأحتلال حيث يتوجب ان تُصان لا أن تُدان . لكن في ظل الظروف الراهنة ، يواجه شعبنا الفلسطيني معضلة وجودية ؛ فإسرائيل لم تستهدف فقط البنية التحتية للمقاومة، بل دمرت مقومات الحياة في غزة، بهدف دفع السكان إلى الهجرة القسرية أو استحالة العيش داخل القطاع .
وعلى الرغم من مسؤولية الأحتلال المطلقة عن هذه الكارثة وكل ما سببها من كوارث ، إلا أن الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس باعتبارها تقود شكل المقاومة المسلحة هنالك ، مطالَبة بإعادة تقييم استراتيجياتها لضمان استمرار النضال الوطني التحرري دون رفع الراية البيضاء ودون تعريض المدنيين لمزيد من المعاناة . فالمقاومة ليست فقط في المواجهة المسلحة، بل أيضا في تعدد أشكالها وتعزيز صمود الشعب وحماية وحدته ووجوده، لأن وحدة شعبنا الوطنية هي السلاح الأهم في مواجهة الاحتلال وهي قانون الأنتصار كما ردد دائماُ الأخ القائد مروان البرغوثي .
— إسرائيل ومخطط التهجير الإستعماري .
لم يكن ما يجري في غزة منفصلا عن ما يحدث في الضفة الغربية منذ عقود ، حيث تتسارع عمليات الضم والأستيطان وتدمير المخيمات وتهجير أهلها ، ويتزايد إرهاب المستوطنين بهدف تفكيك الكيانية الفلسطينية خطوة بخطوة . لقد بات واضحا أن المخطط الإسرائيلي لا يستهدف فقط إضعاف المقاومة، بل تسعى حكومة الأحتلال والتي تستعد خلال الايام القادمة وفق “يديعوت احرونوت” بالمصادقة على قرار قطع علاقات التعاون الإقليمي مع السلطة الفلسطينية والتي تشمل تنفيذ مشاريع مشتركة ، حيث وزارة التعاون الإقليمي الإسرائيلية ستقطع علاقاتها مع السلطة بناءً على القرار وستتوقف عن اعتبار السلطة “كيانًا” في المنطقة ، وهو ما يتوجب رؤيته وفهمه في اطار ما يجري من مشروع يستهدف الكل الفلسطيني ، وإعادة تشكيل المشهد الجغرافي والديموغرافي للمنطقة عبر التهجير القسري وأعلان ضم الأراضي وتقويض دور اي سلطة وطنية واستبدالها بأشكال اخرى متعاونة ، ضمن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي ترعاه الولايات المتحدة الجاري تنفيذه من خلال ما جرى بغزوة سوريا الأسلاموية وما يجري في لبنان مرة أخرى رغم الإتفاق والإعتداء المستمر على اليمن ، ومن تهديدات للأردن ومصر .
— الموقف العربي والدولي , العجز والتواطؤ .
في ظل المجازر المستمرة وجرائم الاقتلاع والأستيطان ، يظل الموقف العربي ضعيفا ومترنحا بين الإدانات الخجولة والتطبيع المتسارع ، مما يعكس غياب الارادة في مواجهة الرؤية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة ، وغياب رؤية استراتيجية للتعامل مع الخطر الذي لا يهدد فلسطين وحدها ، بل قد يمتد ليطال المنطقة بأسرها ، وهو ما يجري اليوم .
أما على المستوى الدولي ، فتستمر الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة مع صعود اليمين المتطرف، في توفير الغطاء السياسي والدبلوماسي والعسكري لإسرائيل، في تحالف أيديولوجي يجمع الصهيونية واليمين الشعبوي الغربي ، رغم تصاعد وتيرة التضامن لشعوب تلك الدول معنا والذين باتوا يتعرضون للمضاياقات من جانب اخر .
— المراجعة النقدية ضرورة وطنية ، الانقسام وغياب الديمقراطية .
لم يعد مقبولا التعامل مع الكفاح الفلسطيني بردود أفعال مؤقتة ، بل يجب إجراء مراجعة نقدية شاملة لمسيرة النضال الوطني بما يشمل كل مفاصلها من أوسلو وحتى ٧ أكتوبر ، بأخطائها وإنجازاتها، والاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى في كفاحها للتحرر الوطني رغم اختلاف الزمان والمكان والظروف .
وهنا لا يمكن الحديث عن المراجعة النقدية دون التطرق إلى ترسيخ الأنقسام الفلسطيني على مدار الثمانية عشر عاما الماضية لأسباب يطول شرحها هنا ، مما أدى إلى غياب الأنتخابات ، التي تعد حقا مكفولاً بالنظام الأساسي الفلسطيني ووثيقة إعلان الأستقلال والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، باعتبار ان الشعب هو مصدر السلطات . إن غياب الانتخابات والتوافق الوطني قد أضر بصورة القضية الفلسطينية أمام العالم ، وأثر على صمود الشعب الفلسطيني ووحدته الداخلية وقدرته على المواجهة والمقاومة الشعبية ، الأمر الذي اتاح للأحتلال إستغلال تداعيات ذلك وترسيخ الفصل الجغرافي السياسي بين شقي الوطن الواحد .
لقد أتاح الانقسام استمرار ازدواجية السلطة والتمثيل، ما أضعف قدرة الفلسطينيين على بناء رؤية وطنية مقاومة جامعة . ولو تم تنفيذ اتفاقيات المصالحة السابقة، وتمت العودة إلى الخيار الديمقراطي عبر الانتخابات، لكان من الممكن تجنيب شعبنا الكثير من المآسي التي يعيشها اليوم ، ولأصبحت الوحدة الوطنية أداة أقوى في مواجهة المخططات الإسرائيلية ولكان منع ذلك التفرد بقرار الحرب والسلم كما يقال ممكناً .
— الخيار أمام الفلسطينيين والعالم ، غزة ما بعد ٧ أكتوبر .
نحن اليوم أمام لحظة الحقيقة ، إما أن ندرك أن ما يجري هو معركة تصفية شاملة تستهدف فلسطين كلها ووجودنا وكيانتنا وفق رؤية الحركة الصهيونية ومزاعمهم التوراتية المسيانية التي يشاركهم بها المسيحيين الصهيونين خزان ترامب الانتخابي بل واقطاب من الحزب الديمقراطي ايضا ، أو أن نستمر في الغرق في خلافات داخلية دون استراتيجية وطنية تعيد بناء المشروع التحرري الفلسطيني بعد كل المتغيرات المتسارعة بالعالم والأقليم ، مما يُسهّل تنفيذ المخطط الإسرائيلي خطوة بعد خطوة مع اصرارهم على رفض اي أفق سياسي ، فالأحتلال لن يقدم لا السلام او الخبز والورود لشعبنا حتى ولو استحوذ على أسراه لدى المقاومة دون ثمن .
من يعتقد أن الأوضاع في غزة بعد هذه الحرب ستكون كما كانت قبل ٧ أكتوبر فهو لا يدرك المتغيرات السياسية العميقة التي تشهدها المنطقة. غزة ما بعد هذه الحرب ستواجه واقعا جديدا، يتطلب مقاربة مختلفة على المستويين السياسي والأستراتيجي ، تبدأ بإعادة بناء الوحدة الوطنية على أسس ديمقراطية واسعة تتعدى التمثيل الفصائلي لتشمل كافة قطاعات المجتمع من المستقلين الوطنيين والشباب ، وإعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني بما يضمن مواجهة جرائم الأحتلال والأستيطان والتهجير والأحلال ، ويحافظ على وحدة الأرض والشعب والقضية.
المطلوب اليوم ليس فقط وقف إطلاق النار على الاهمية الفورية لذلك لحقن مزيدا من دماء شعبنا ، بل إعادة ترتيب البيت الفلسطيني والاصرار على مفاوضات تتعلق بإنهاء الأحتلال اولاً عن كل اراضي دولة فلسطين المحتلة التي أعترف بها العالم . من خلال إنهاء الأنقسام ووحدانبة التمثيل والتمسك بالثوابت الوطنية دون الأرتهان لمشاريع ووعود سراببة أمريكية جديدة او لأي شكل من التدخل في شأن قرارنا الوطني المستقل الذي يتوجب الإجماع عليه اليوم في اطار وحدة وأتساع قاعدة منظمة التحرير كقائد التحرر الوطني ، لأن القضية ليست مجرد حرب على غزة ولا حرب ضد أحداً دون أحد ، بل معركة ضد الوجود والهوية الفلسطينية الجامعة بما يُترجم طبيعة وإصرار العقلية الصهيونية وأهدافها على أستمرار القتل اليومي والتهجير وإنهاء الكيانية الفلسطينية ، كما أشرت الى ذلك بمقالات سابقة .