6:00 مساءً / 31 مارس، 2025
آخر الاخبار

الأستاذة رانيا العارضة ، صديقة العمر وأمٌ ثانية ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

د. تهاني رفعت بشارات

الأستاذة رانيا العارضة ، صديقة العمر وأمٌ ثانية ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

في زوايا الحياة، يمرُّ بعض الأشخاص كنسائم الربيع، يحملون بين طيّاتهم عبير الطيبة، ويتركون في قلوبنا بصمةً لا تُمحى، ليس لأنهم مرّوا فحسب، بل لأنهم أهدونا من أرواحهم حبًّا لا يُشترى. ومن بين هؤلاء الأرواح النقية، التي تجسّد معنى الصداقة والزمالة الحقيقية، كانت الأستاذة والصديقة العزيزة رانيا العارضة.

حين يجمعنا العلم وتؤلف بيننا القلوب

عرفتها في أروقة المدرسة، حين كنتُ معلمةً وأدرس ابنها أحمد، ذلك الفتى النجيب الذي يعكس تربيةً صالحةً وأخلاقًا راقية. كانت رانيا زميلةً في نفس التخصص، تحمل في قلبها حبًّا للغة الإنجليزية وتعليمها، وأرواحنا كانت تنسجم وكأنها وُلدت من نفس النبع.

لم تكن مجرد زميلة، بل كانت أختًا بروحٍ نقيّة، لا تعرف سوى العطاء، وكأنها زهرةٌ كلما اقتُطفت منها أوراق، أزهرت من جديد. كنا نتبادل الملفات التعليمية بكل حبّ، نساعد بعضنا البعض دون انتظار مقابل، وكأنّ العلم الذي نحمله رسالة، لا مجرد مهنة.

ومضت الأيام، وتسارعت عجلة الزمن، لكن الصدف الجميلة لا تنتهي، بل تعود إلينا بشكل أجمل مما توقعنا.

حين تصبح الزميلة أمًّا ثانية

لم أكن أعلم أن القدر سيرتب لي مفاجأةً جميلة، حين أصبحت الأستاذة رانيا معلمةً لابنتي تاليا. لكنّها لم تكن مجرد معلمة، بل كانت أمًّا ثانية، تنظر إلى ابنتي بعين الرعاية قبل التعليم، وبقلب الأم قبل عقل المربية.

كانت تاليا تجد في معلمتها دعمًا يفوق حدود الفصل الدراسي، تشجيعًا يتجاوز العلامات والاختبارات، ويدًا تمتدّ لها كلما احتاجت إلى الطمأنينة.

موقفٌ لا يُنسى… حين تجلّى الوفاء في أسمى معانيه

لكن ما نقش في قلبي للأبد، وخلّد اسم رانيا في ذاكرة امتناني، كان ذلك اليوم الذي لن أنساه ما حييت.

كان صباحًا مضطربًا، حين اقتحمت القوات مدينة جنين، وتعالت أصوات الرعب في الأرجاء. كانت ابنتي تاليا في المدرسة، وحين وصلها صوت الخطر، تملّكها الذعر، وبدأ قلبها الصغير يرتجف من الخوف.

في تلك اللحظات التي تعجز الكلمات عن وصفها، كانت الأستاذة رانيا هناك، كالأم الحنون التي لا تترك صغيرها في العاصفة. لم تكتفِ بتهدئتها والوقوف بجانبها، بل سارعت بالاتصال بي، لتطمئنني وتمنحني الأمان الذي كنت بأمسّ الحاجة إليه.

ذلك الموقف كان درسًا في الإنسانية، في الوفاء، في الصداقة التي لا تعرف الحواجز.

لمثلكِ تُرفع القبعات

رانيا العارضة، يا زهرةً في بستان الصداقة، ويا قلبًا عامرًا بالنقاء، ويا يدًا تمتدّ للعطاء دون انتظار ردّ الجميل.

كيف أشكرك؟ أي كلماتٍ تكفي لوصف نقائك؟ كيف أكتب عنكِ دون أن يخونني الحبر؟

أنتِ لستِ زميلةً فقط، بل أختٌ وصديقةٌ وأمٌّ ثانية، أنتِ وجهٌ من وجوه الخير التي تسير على الأرض، وأثرٌ طيبٌ سيبقى خالدًا في قلبي.

شكرًا لكِ، لأنكِ علمتني أن الصداقة لا تُقاس بالوقت، بل بالمواقف، وأن الأخوة لا تُحدّدها صلة الدم، بل صلة الروح.

لمثلكِ تُرفع القبعات، وتُحنى الهامات، ويُسجَّل اسمُهُ في ذاكرة القلب إلى الأبد.

شاهد أيضاً

الأستاذ الفاضل نائل العمور "أبو محمد" القائد الحكيم وأثره الطيب الذي لا يزول ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات

الأستاذ الفاضل نائل العمور “أبو محمد” القائد الحكيم وأثره الطيب الذي لا يزول ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات

الأستاذ الفاضل نائل العمور “أبو محمد” القائد الحكيم وأثره الطيب الذي لا يزول ، بقلم: …