
الأستاذة ميساء تيسير عطاطرة والأستاذ فارس ظاهر ، حين يكون الإنسان أثرًا خالدًا في القلوب ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
هناك أشخاصٌ يمرّون في حياتنا كنسائم الربيع، لا يأتون إلا محمّلين بالخير، ولا يرحلون إلا وقد تركوا في أرواحنا بصمة لا تُمحى. وهناك أشخاصٌ يصبحون جزءًا من ذاكرتنا العاطفية، لا لأنهم كانوا معنا وحسب، بل لأنهم منحونا من نفوسهم الطيبة ما يكفي ليبقى أثرهم حيًّا في قلوبنا إلى الأبد.
وهكذا كانا، ولا يزالان، الأستاذة ميساء تيسير عطاطرة، والأستاذ فارس فايق ظاهر، نموذجًا للإنسانية الصافية، والتقدير الذي لا يُشترى، والمودة التي تُزرع فتثمر محبة ووفاء.
ميساء عطاطرة… أمٌّ وقلبٌ نابضٌ بالعطاء
حين التقيتُ بالأستاذة ميساء لأول مرة، كنت أرى أمامي إنسانةً تحمل في روحها نور التربية الحقيقية. لم تكن مجرد أمٍّ تتابع دروس أبنائها، بل كانت تجسيدًا للأم التي تؤمن أن العلم رسالة، وأن الأبناء أمانة، وأن العطاء لا يضيع أبدًا.
تشرفتُ بتدريس ابنها فائق، ثم ابنتها ميرا، ثم فادي، ورأيتُ فيهم جميعًا انعكاسًا لأمٍ عظيمةٍ تعرف كيف تزرع في أبنائها حب التعلم، وكيف تربيهم على الأخلاق قبل الدرجات، وعلى الاحترام قبل التفوق.
ومرت الأيام… ولأن الخير لا يضيع، ولا يذهب هباءً، ولا يُنسى، فإن الله قد كتب لي أن تعود الأيام بحلةٍ جديدة، وأن يصبح اللقاء بيننا مختلفًا ولكن بنفس المحبة.
أصبحت ابنتي تاليا طالبةً عند الأستاذة ميساء، ورأيتُ كيف كانت تعاملها بكل حبٍ واهتمام، كيف كانت تتابعها كأنها ابنتها، وكيف كانت تحرص على أن تنال تاليا كل رعايةٍ ممكنة.
فأيُّ نعمةٍ أعظم من أن تجد في طريقك أشخاصًا يؤمنون أن كل خيرٍ تعطيه يعود إليك، وأن ما تقدمه للناس سيعود إليك مضاعفًا بطرق لا تخطر على بالك؟
أما الأستاذ فارس فايق ظاهر، فلم يكن مجرد وليّ أمر طالبٍ في المدرسة، بل كان صورةً رائعة لرجل القانون الذي يجمع بين قوة المبدأ وإنسانية القلب.
عرفته حين كنت أدرّس ابنه فائق، وكان دائم الحضور مع زوجته الأستاذة ميساء، متابعًا، مهتمًا، محبًا لتعليم أبنائه. لم يكن حضوره مجرد واجب، بل كان تجسيدًا لإيمان الأب بأن العلم يبني الأمم، وأن الأبناء حين يجدون آباءهم بجانبهم، يصبحون أقوى وأكثر ثقة بأنفسهم.
لكن الموقف الذي ترك في نفسي أثرًا لا يُنسى، والذي جعلني أدرك أن بعض الناس يُثبتون لك أن المحبة ليست مجرد كلمات، كان يوم حصلتُ على درجة الدكتوراه.
لم يكن شيئًا متوقعًا، ولكنه كان درسًا في الوفاء، حين جاء الأستاذ فارس برفقة زوجته الأستاذة ميساء ليكرّماني، ليقول لي بطريقة غير مباشرة: “إنما الإنسانُ أثر، وما تزرعينه من خيرٍ، سيعود إليك يومًا بأجمل مما تتخيلين.”
حين يصبح الإنسانُ أثرًا خالدًا
ليس الجميع يملك تلك القدرة على ترك بصمةٍ لا تُمحى، وليس كل من نلتقيهم في حياتنا يستحقون أن يبقوا جزءًا من ذكرياتنا.
لكن هناك أناسٌ يدخلون حياتك ليمنحوك درسًا في النُبل، وأناسٌ يعبرون أيامك ليؤكدوا لك أن الطيبة لا تزال موجودة، وأن العطاء الذي ينبع من القلب، يعود للقلب أضعافًا مضاعفة.
شكرًا لكِ يا أستاذة ميساء، لأنكِ كنتِ نموذجًا للأم التي تعطي بلا انتظار مقابل، وللمعلمة التي تربي بضمير.
وشكرًا لكَ يا أستاذ فارس، لأنك كنتَ الرجل الذي يجمع بين العدل والإنسانية، وبين العلم والأخلاق.
إنما الإنسانُ أثر… وإن أثركما، سيبقى خالدًا في القلب والذاكرة.
