
الصين وثوابتها القومية .. بقلم : عايدة عم علي
في عام 1955 ظهرت عند بعض زعماء العالم الثالث فكرة التمايز عن القوتين الاعظم في حينه حلف شمال الاطلسي بقيادة الولايات المتحدة و حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي و ذلك بتشكيل محور ثالث اطلق عليه كتلة عدم الانحياز، عقدت الدول المشاركة قمتها الاولى في باندوغ اندونيسيا و كانت بقيادة احمد سوكارنو و معه مصر جمال عبد الناصر و الهند جواهر لال نهرو و يوغسلافيا و زعيمها جوزيف تيتو و الصين التي مثلها في القمة الرجل الثاني في القيادة الصينية و رجل الدبلماسية الاول شو ان لاي، و برز دوره متقدما على غيره في الدفاع عن قضايانا القومية و مساله فلسطين و عدالتها، و برز كزعيم ذكي صاحب شخصية مؤثرة و جذابة.
في فلسطين كانت الثورة لا تزال فكرة يتداولها الثوار الاوائل بصمت و خشيه من انظمة القمع المحيطة، و مع ذلك استقبلت الصين عام 1964 اثنين من الشباب المجهولين و هم ياسر عرفات و خليل الوزير و ناقشت معهم فكرة الثورة و زدوتهم بنصائح ثمينة و لعل اول مكتب رسمي امتلكته الثورة الفلسطينية كان المكتب الذي افتتحته لها القيادة الصينية في بكين، و تلقى الثنائي ابو عمار و ابو جهاد الدعم المعنوي و المعرفي و حتى المادي الذي بلغ سبعة الاف جنيه استرليني و هو مبلغ ضخم في مقايس ذلك الزمن، كان ذلك كله قبل ان تعلن الثورة الفلسطينية عن نفسها و حتى قبل ان تطلق رصاصاتها الاولى.
امتلك الثائر الفلسطيني العزيمة و الاصرار و قبل التحدي عند انطلاق الثورة المعاصرة بعد هزيمة 1967 و لكنه كان يفتقر الى عنصرين من عناصر العمل و هو السلاح و الخبرة العسكرية القتالية، تقدمت دول عديده لمد يد المساعدة و لكن لم يكن دعم اي منها كدعم جمهورية الصين الشعبية من دعم بالسلاح و استقبال اعداد كبيرة من الشباب لتدريبهم و تنظيمهم على اساليب الحرب الشعبية و حرب العصابات، و هم من عاد و اصبح جيش الثورة في معاركها الطويلة.
لاحقا كانت الصين من اوائل دول العالم التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية و اصبح لها مكاتب في بكيين ذات طابع دبلماسي و عندما اعلنت الدولة الفلسطينية في الجزائر كانت الصين من اوائل من اعترف بها و حولت مكاتب منظمة التحرير الى مستوى السفارة و بقيت على موقفها الثابت بدعم الثورة الفلسطينية و تقديم ما تحتاج اليه و لكن مع اختيارات الثورة الفلسطينية و دون ان تطلب منها شيء في المقابل، و حين حصلت التغيرات في الصين اثر وفاة الزعيم الصيني ماو تس تونغ و استلام زوجته و فريقها القيادة و لاحقا في مرحلة قياده دينغ شياو بينغ و حتى عهد الرئيس الحالي شي جي بينغ تغيرت امور كثيرة في الصين الا ان الموقف من فلسطين و مسالتها و ثورتها بقي من ثوابت السياسة التي لم تتغير بتغير القيادات و السياسات العامة.
اخذت الدبلوماسية الصينية شكلها و ادائها من الصفات الشخصية للمواطن الصيني، فهي عنيدة مثابرة مدروسة بعناية و تسير نحو هدفها بدقة و لكن بصمت و اسلوب هاديء و اصابع من حرير و فعالية عالية لا ترى الا عند النتائج الختامية، و ها هي اليوم تتقدم في قلب افريقيا و اميركا الجنوبية و في مشروع طريق الحرير و طبعا في الشرق الاوسط.
هذ الاسلوب الرصين الناضج جعل الصين الشيوعية الكونفوشوسية تحقق ما لم يحققه ذوي العمائم البيضاء او السوداء على طرفي الخليج، فاستطاعت انجاز المصالحة الايرانية السعودية و نزعت فتيل اسرائيل و الولايات المتحدة المعد لتفجير المنطقة، حقا لقد ضربت المشروع الامريكي الاسرائيلي بالعمق في خطوتها هذه، و الصين تلعب اليوم دورا في غاية الفعالية و ان كان غير منظور في انجاز مصالحة سعودية يمنية لانهاء حرب دموية عبثية اكلت من لحم اليمنين و التهمت ثروات السعودية، و سنرى في القريب دور لها في انهاء الوجود التركي في الشمال السوري بما يحقق وحدة سورية و اراضيها و مصلحة اردوغان الذي يواجهه استحقاقة الرئاسي الانتخابي الاصعب في القادم القريب.
تستطيع الصين اليوم بما تملك من قوة و قدرات اقتصادية و سياسية و من مهارات تفاوضية اثبتتها الايام الاخيرة ان تلعب دورا في فلسطين، ان على صعيد المصالحة الفلسطينية الفلسطينية و ان في استحقاقات مرتبطة بالصراع مع العدو الاسرائيلي و الايام قادمة.
عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي