
الأخت والصديقة شروق توفيق ، زهرةُ المحبة ، وأثرٌ لا يبهتُ مع الأيام ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في دروب الحياة المزدحمة، حيثُ تتسارع الخطى وتتقاطع المسارات، نلتقي بأرواحٍ نادرةٍ تشبه الشمس في دفئها، والمطر في عطائها، والنجوم في نقائها. هؤلاء الذين يحفرون أسماءهم في قلوبنا، ليس بأحرفٍ من حبرٍ، بل بأفعالهم النقية، وبكلماتهم الصادقة، وبحبهم الذي لا يخبو مع الأيام. ومن بين هؤلاء، كانت الصديقة والأخت شروق توفيق، أم سلطان، التي تركت في حياتي أثرًا لا يُمحى، وذكرياتٍ لا تُنسى، كضوء القمر في الليالي الحالكة.
الصديقة التي تقاسمتُ معها الدروب والمواقف
عرفتُ شروق منذ سنواتٍ طويلة، كرفيقة دربٍ وزميلة مهنة، ولكنها لم تكن مجرد زميلة، بل كانت أختًا تشاطرني الفرح، وتربتُ على كتفي في الحزن، تبتسم لي حين تحتاج الدنيا إلى ابتسامة، وتدعمني حين يبدو الطريق طويلًا ومتعرجًا.
كانت إنسانةً لا يُشبهها أحد، طيبةً كأرضٍ مُخضرة، نقيةً كنبع ماءٍ صافٍ، وبسيطةً في تعاملها كنسيم الفجر الذي يلفح الروح برفق. علمتني الكثير دون أن تدري، وكانت كلماتها تشبه الدعاء الذي يُفتح له باب السماء، دائمًا تقول لي:
“أنا فخورةٌ بكِ جدًا، استمري، وتأكدي أن الخير قادم بإذن الله.”
اللقمة التي تقاسمتها معي… والهدية التي حاكتها بمشاعرها
أحيانًا، ليست الهدايا الثمينة هي الأغلى، بل تلك التي تُمنح من القلب، تلك التي تُهديها الروح قبل اليد. وما أروع أن تتشارك معك صديقةٌ لقمةً بحب، أو تهديك شيئًا صنعته بأناملها، لأن تلك اللمسات تحمل جزءًا من روحها، من وقتها، ومن نبض مشاعرها.
أذكر يومًا كنتُ في المدرسة، ولم أُحضر إفطاري المعتاد، وكعادتي كنتُ أنشغل حتى أنسى الجوع، لكن شروق أبَتْ أن أظل جائعة، وأقسمت أن أشاركها طعامها، لم يكن مجرد طعام، بل كان لقمةً مشبعةً بالمحبة، مُحمّلةً بكرم النفس، ومُطرّزةً بالوفاء.
ولن أنسى ذلك اليوم الذي فاجأتني فيه بهديتها الثمينة التي لم تكن مجرد حقيبةٍ، بل قطعةً من قلبها، من إبداعها، ومن فنها، صنعتها يدها بدقةٍ وحب، بخيوطٍ من خرز، ولكنها بدت لي وكأنها خيوطٌ من نورٍ وحب، كان كل عقدةٍ فيها تحكي قصة، وكل خرزةٍ تعكس روحًا صافية.
ابنها سلطان… امتدادٌ لنقاء أمه
وكما يُقال: “الفرعُ من أصله”، فإن ابنها سلطان لم يكن إلا انعكاسًا لتربيتها الأصيلة، ولدٍ خلوقٍ ومهذب، رغم صغر سنه، إلا أنه كان عونًا لأمه، وسندًا لإخوته، وكأن الله أودع فيه قلبًا أكبر من عمره، قلبًا مُشرقًا كأمه، مفعمًا بالحب والمسؤولية.
الكتاب الأول… والصوت الذي أتى ليبارك النجاح
عندما أصدرتُ كتابي الأول “لحن الأمل”، كنتُ أشعر بمزيجٍ من الفرح والرهبة، كأنني أضع قطعةً مني بين أيدي الناس، وكنتُ أترقب الآراء بلهفةٍ وخوفٍ في آنٍ واحد. لكن شروق، كعادتها، كانت أول من يحتفي بي، وأول من يُحيطني بكلماتها الدافئة.
اتصلت بي بعد يومٍ واحد من حصولها على الكتاب، وقالت لي بفرحةٍ حقيقية:
“قرأته كلمةً كلمة، تهاني، أسلوبكِ جميلٌ، بسيطٌ، وواضح… أنا فخورةٌ بكِ جدًا!”
كانت كلماتها بمثابة تصفيقٍ داخلي، وكأنني وقفتُ على مسرحٍ لا تُضيئه الأضواء، بل تُضيئه القلوب المُحبة، وكانت شروق أول الحاضرين، أول المشجعين، وأول من صفق لي بحب.
“وزيرة السعادة والطاقة الإيجابية”… لقبٌ يليقُ بكِ يا شروق
ولأن الصداقة ليست فقط ما نأخذه من الآخرين، بل ما نتركه فيهم، فإن شروق تركت في روحي أثرًا من السعادة، وكانت دائمًا تراني بعيونٍ لا ترى إلا الجميل، حتى منحتني لقبًا أحببته كثيرًا… “وزيرة السعادة والفرفشة والطاقة الإيجابية”.
كنتُ أبتسم كلما نادتني به، لأنه لم يكن مجرد لقب، بل كان انعكاسًا لروحها المُضيئة، فمن يشع نورًا، يرى النور في الآخرين.
شكرًا شروق… لأنكِ الأثرُ الذي لا يزول
في هذه الحياة، قد يمر البعض سريعًا كالعابرين، وقد يترك البعض أثرًا، لكن هناك من يكون أثره خالدًا، لا تمحوه الأيام، ولا تُغطيه المسافات.
شروق، كنتِ ولا زلتِ تلك الروح الجميلة، التي كلما استعدتُ ذكرياتي معها، وجدتُ فيها نسماتٍ من الفرح، وقطراتٍ من النقاء، وضياءً لا ينطفئ.
شكرًا لكِ، لأنكِ صديقةٌ حقيقية، أختٌ رائعة، وزميلةٌ تشبه النور في كل شيء.
شكرًا لكِ، لأنكِ كنتِ دائمًا أول من يُهنئني، وأول من يُشجعني، وأول من يُضيء لي الطريق.
شكرًا لكِ، لأنكِ كنتِ أثرًا طيبًا، سيظل حيًا في القلب، وممتدًا في الذاكرة إلى الأبد.
إنما الإنسانُ أثر، وأثركِ سيبقى خالدًا في قلبي مدى العمر.