
معاداة السامية والإسلاموفوبيا والمقاومة الفلسطينية: التحيزات الغربية وحراك الجامعات الأمريكية ، بقلم : المهندس غسان جابر
على مدار العقود الماضية، برزت ظاهرتان متناقضتان في الخطاب الغربي: معاداة السامية، التي تُعامل كجريمة كبرى لا يُمكن التغاضي عنها، والإسلاموفوبيا، التي تتنامى تحت ذرائع أمنية وسياسية. وبينما يُجرَّم أي انتقاد للسياسات الإسرائيلية تحت غطاء معاداة السامية، تُبرَّر الحملات الإعلامية والسياسية ضد المسلمين بذرائع مثل “مكافحة الإرهاب” و”حماية القيم الغربية”. وفي خضم هذه التحيزات، يبرز الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية كصوت مقاوم يحاول كسر هذه المعايير المزدوجة، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
معاداة السامية: بين التاريخ والتوظيف السياسي
لطالما كانت معاداة السامية واقعًا مريرًا في أوروبا، حيث تعرض اليهود للاضطهاد والتمييز لعصور طويلة، بلغت ذروتها في المحرقة النازية خلال الحرب العالمية الثانية. لكن في العقود الأخيرة، تحولت هذه المأساة إلى أداة سياسية تُستخدم لقمع أي انتقاد لإسرائيل. فبمجرد أن يُعبّر أي شخص عن موقفه الرافض لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، يُتهم فورًا بمعاداة السامية، بغض النظر عن طبيعة انتقاده.
هذه الاستراتيجية لم تهدف فقط إلى حماية إسرائيل من المساءلة الدولية، بل استخدمت أيضًا لإسكات الأصوات الداعمة للقضية الفلسطينية في الدول الغربية. وقد شهدنا كيف تم استهداف سياسيين وصحفيين وأكاديميين وحتى نشطاء حقوقيين لمجرد أنهم سلطوا الضوء على الجرائم الإسرائيلية في فلسطين.
الإسلاموفوبيا: الوجه الآخر للعنصرية المؤسسية
في المقابل، الإسلاموفوبيا – أو الخوف من الإسلام – أصبحت ظاهرة متجذرة في الغرب، تتجلى في السياسات الحكومية والتغطيات الإعلامية. فمنذ هجمات 11 سبتمبر، أصبح يُنظر إلى المسلمين كمصدر تهديد أمني، وتمت شيطنتهم عبر وسائل الإعلام والسينما والسياسات الرسمية.
في أوروبا، أدت هذه المخاوف إلى فرض قوانين تقييدية على الحريات الدينية، مثل حظر الحجاب في فرنسا، بينما شهدت الولايات المتحدة تصاعدًا في جرائم الكراهية ضد المسلمين، بالإضافة إلى حملات إعلامية تربط الإسلام بالإرهاب.
هذه النظرة المزدوجة تكشف عن ازدواجية المعايير الغربية: ففي حين أن أي خطاب معادٍ لليهودية يُعدّ مرفوضًا ومجرّمًا، يتم التغاضي عن العداء تجاه المسلمين، بل وأحيانًا يُشجَّع تحت مبررات مختلفة.
المقاومة الفلسطينية: نضال مستمر في مواجهة القمع والتشويه
ضمن هذه الديناميكيات، تأتي المقاومة الفلسطينية باعتبارها نقطة اشتباك رئيسية في النقاش الغربي حول معاداة السامية والإسلاموفوبيا. فالاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ باضطهاد الشعب الفلسطيني، بل عمل على تصدير سردية تُصور المقاومة الفلسطينية كإرهاب، وتصوّر إسرائيل كضحية دائمة.
أي دعم للمقاومة الفلسطينية – حتى لو كان سلميًا – يُقابَل بحملات تخويف وشيطنة. وقد رأينا كيف تم استهداف المنظمات الحقوقية التي توثق انتهاكات الاحتلال، وكيف تم تصنيف بعض الحركات الفلسطينية كـ”إرهابية” لمنع أي تعاطف غربي معها.
لكن على الرغم من هذا التشويه الممنهج، تبقى المقاومة الفلسطينية رمزًا للنضال ضد الاستعمار والاحتلال، وهي مستمرة في تحقيق مكاسب سياسية وشعبية، خاصة مع تزايد التضامن الدولي معها.
حراك طلاب الجامعات الأمريكية: صوت مقاوم ضد الهيمنة
في السنوات الأخيرة، شهدت الجامعات الأمريكية تصاعدًا في الحراك الطلابي الداعم للقضية الفلسطينية، خصوصًا من خلال حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل اقتصاديًا وأكاديميًا وثقافيًا بسبب انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين.
هذا الحراك لم يكن مجرد تعبير عن التعاطف مع الفلسطينيين، بل كان جزءًا من نضال أوسع ضد الرأسمالية العنصرية والاستعمار الجديد، وهو ما جعل السلطات الأمريكية والإسرائيلية تخشى من تأثيره على الرأي العام.
نتيجة لذلك، شنت الحكومات الغربية واللوبيات الموالية لإسرائيل حملات قمع ضد الطلاب والنشطاء المناصرين لفلسطين. فقد تعرض العديد منهم للفصل من الجامعات، وواجهوا اتهامات بمعاداة السامية لمجرد مشاركتهم في احتجاجات أو نقاشات حول الاحتلال الإسرائيلي.
ومع ذلك، فإن هذا القمع لم ينجح في إخماد الأصوات الداعمة للقضية الفلسطينية. بل على العكس، زادت أعداد الطلاب المنخرطين في الحراك، وبدأت الجامعات الأمريكية تشهد نقاشات أكثر جرأة حول شرعية الاحتلال ودور الحكومات الغربية في دعمه.
نحو خطاب أكثر عدالة ووضوحًا
إن ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع معاداة السامية والإسلاموفوبيا تكشف عن تحيزات عميقة في السياسة والإعلام. لكن الحراك الطلابي، إلى جانب الحركات الحقوقية، يواصل كسر هذه الحواجز، ويدفع باتجاه خطاب أكثر عدالة ووضوحًا حول القضية الفلسطينية وحقوق الإنسان.
في النهاية، المعركة ليست فقط من أجل فلسطين، بل هي أيضًا من أجل حرية التعبير، وحقوق الإنسان، ومناهضة التمييز بجميع أشكاله. وإذا كان الغرب صادقًا في تبنيه لقيم الديمقراطية والحرية، فعليه أن يكف عن استغلال معاداة السامية كذريعة لقمع الأصوات المعارضة للاحتلال، كما يجب أن يواجه الإسلاموفوبيا بنفس الحزم الذي يواجه به أي شكل آخر من العنصرية.
م. غسان جابر (قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)