6:30 مساءً / 2 أبريل، 2025
آخر الاخبار

النساخ العُمانيين ، سفراء التراث وحُماة المخطوطات نحو العالمية ، بقلم : ساره محمد الشماس

النساخ العُمانيين ، سفراء التراث وحُماة المخطوطات نحو العالمية ، بقلم : ساره محمد الشماس

تعتبر نسخ المخطوطات من المهام التي يعود تاريخها إلى العصور الإسلامية الأولى، فقد أولى النبي صلى الله عليه وسلم اهتمامًا خاصًا بكتابة ما ينزل عليه من وحي، وكان للصحابة الكرام دور كبير في نسخ القرآن الكريم وتوثيقه، كما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه حين أمر بنسخ المصحف الشريف وتوزيعه على الأقاليم الإسلامية. ومع مرور العصور، استمر هذا التقليد من خلال النساخ الذين قاموا بنقل النصوص والمخطوطات ليحفظوا العلوم والفنون من النسيان.

وعند الحديث عن هذا الدور، يبرز النساخ العُمانيون الذين ساهموا في حفظ المخطوطات العُمانية والوصول بها إلى المكتبات، سواء داخل عُمان أو بمختلف أنحاء العالم. فخلال عصرٍ كان العلم ينتقل عبر النسخ اليدوي، كانت المخطوطات تُعتبر من أهم وسائل نقل المعرفة والحفاظ عليها. كما كان النسخ عبر العصور الإسلامية وسيلة لحفظ العلوم من الاندثار، حيث كانت المخطوطات تُسجل على ورق، جلد، أو مواد أخرى، قبل أن يتطور الطباعة. لقد أظهر العلماء عبر العصور أهمية نسخ المخطوطات لتوثيق العلوم وحمايتها من الاندثار، كما يقول القلقشندي: “ولما كان التقييد بالكتابة هو المطلوب، وقع الحض على الكتابة باعتبارها أداة لحفظ العلم من النسيان.” وأسهم النسخ في إتاحة الوصول إلى المعرفة للعلماء وطلاب العلم، إذ كانت المخطوطات تتنقل عبر الأجيال، ويستفيد منها من يقرؤها ويبحث فيها.

وكان النساخ العُمانيون في العصور الإسلامية المتأخرة يلعبون دورًا بارزًا في نقل العلوم وتوثيق التراث العُماني، فقد اهتموا بنسخ الكتب العلمية والأدبية، وبعض هذه الكتب كان من تأليفهم، في حين أن البعض الآخر كان من نسخ العلماء من مختلف البلدان الإسلامية. كما أن النساخ العُمانيين أتقنوا مهارات الكتابة والتصحيح، وقاموا بنقل النصوص بعناية فائقة، مما ساعد في توفير المصادر للباحثين والعلماء. وقد ازدادت الحاجة إلى النسخ مع كثرة العلماء وطلاب العلم في عُمان والبلدان المجاورة، فكانت المخطوطات الوسيلة الوحيدة لتوفير الكتب والمراجع.

وفي سياق الحفاظ على التراث الثقافي العُماني، التزم النساخ بنسخ العديد من المخطوطات التي توثق تاريخ عُمان وحضارتها. وقد كان لهم دور كبير في إتاحة المخطوطات للمكتبات بعُمان والعالم العربي، مما جعل المخطوطات العُمانية متوافرة في مكتبات العديد من البلدان العربية. ولم يقتصر دور النساخ على توثيق الكتب العلمية، بل شمل أيضًا الأعمال الأدبية والدينية التي تعكس التراث العُماني الغني. وبذلك أصبحت جهود النساخ العُمانيين في حفظ المخطوطات العُمانية من أسمى صور الاهتمام بالتراث الثقافي والحضاري.

كما كانت مهنة النسخ شديدة الأهمية في تاريخ العلم العربي والإسلامي، حيث ساهم النساخ في حفظ الكتابات الدينية والعلمية والتاريخية، مما ساهم في نشر العلم وتعميق الفهم بمختلف المجالات. وتميز النساخ العُمانيون بعدة أصناف؛ منهم العلماء المؤلفون الذين قاموا بنسخ كتبهم بأنفسهم، وطلاب العلم الذين نسخوا الكتب التي يحتاجون إليها، وكذلك النساخ المكتسبون الذين جلبوا نسخًا للمخطوطات للبيع في الأسواق العُمانية الشهيرة مثل سوق نزوى وسوق مطرح وفي هذه الأسواق كان يتم بيع المخطوطات بأسعار متفاوتة، مما ساهم في انتشار الكتب ونقلها إلى مختلف المناطق.

إن النساخ العُمانيين لعبوا دورًا محوريًا في نقل وحفظ التراث العلمي والثقافي للعالم العربي والإسلامي، وتميزوا بحسن الخلق، وصدق النية، والوفاء بالعقود. كما أنهم كانوا يتمتعون بالعلم والفقه، وكانوا على دراية بمصطلحات العلوم والفنون المختلفة، مما جعلهم قادرين على نسخ الكتب بدقة وبأمانة. وقد تطلبت مهنة النسخ قدرًا كبيرًا من التخصص، حيث كان النساخ يتعين عليهم أن يتقنوا اللغة العربية وقواعد الإملاء لضمان نقل النصوص بشكل صحيح واعتمدوا على تقنيات عدة في عملية النسخ، مثل النسخ من المخطوطات الأصلية، أو الإملاء الذي كان يتم من خلاله قراءة النصوص على عدد من النساخ لنسخها بسرعة. كما أنهم اتبعوا إجراءات صارمة للتأكد من صحة النصوص ومطابقتها للنصوص الأصلية، مما جعل النسخ العُماني يمتاز بالدقة والجودة.

فإن جهود النساخ العُمانيين ساهمت في نشر العلم ودعمه في جميع أنحاء العالم، مما يؤكد على أهمية استمرار الاهتمام بالمخطوطات العُمانية والبحث عن سبل جديدة للحفاظ عليها وتوثيقها. كما ينبغي على المجتمعات العلمية والمؤسسات الثقافية العمل على صيانة هذه المخطوطات وترميمها، لضمان استمرار هذا التراث الغني للأجيال القادمة.

شاهد أيضاً

الاحتلال يعتدي على المواطنين بالغاز السام وقنابل الصوت في طولكرم

الاحتلال يعتدي على المواطنين بالغاز السام وقنابل الصوت في طولكرم

شفا – اعتدت قوات الاحتلال الإسرائيلي، على المواطنين وسط مدينة طولكرم، وأطلقت الغاز السام المسيل …