6:12 مساءً / 23 مارس، 2025
آخر الاخبار

يهجر الفلسطينيون مرارا قبل أن يدفنوا ، بقلم : سوما حسن عبدالقادر

يهجر الفلسطينيون مرارا قبل أن يدفنوا ، بقلم : سوما حسن عبدالقادر

في غزة، لا شيء ثابت سوى الموت. الموت ليس مجرد احتمال، بل هو يقين مؤجل، لا يعرف صاحبه إن كان سيأتيه الليلة أم بعد ساعة أم في اللحظة التالية. أهل غزة ليسوا مجرد سكان محاصرين، بل هم كمن قطعوا تذكرة للموت ووقفوا في الطابور، كل ينتظر دوره بصمت ثقيل، بعيون مرهقة، بقلوب لم تعد تحتمل مزيدا من الفقد.

الذي لم يمت تحت أنقاض منزله، مات من الجوع. والذي قاوم الجوع، قتله البرد. والذي احتمى من القصف والبرد، باغته المرض في جسده الهزيل. وإن نجا من هذا كله، بقي الحزن كفيلا بإنهاكه حتى النهاية. في غزة، الموت لا يأتي بوجه واحد، بل بألف وجه، وبألف طريقة، وبإصرار لا يلين.

يعيش أهل غزة تحت قصف مستمر، لكنه ليس القصف الوحيد الذي يواجهونه. هناك قصف أشد فتكا، قصف التجاهل، قصف الصمت، قصف العجز العالمي الذي يرى ولا يفعل، يسمع ولا يتحرك. هناك من يحاول المساعدة، من يصرخ ويستنكر، لكنه عاجز أمام آلة البطش التي لا تكترث لأي صوت. وهناك من يدير ظهره تماما، يمضي في حياته وكأن غزة ليست سوى خبر عابر في نشرة الأخبار، وكأن آلاف القتلى ليسوا بشرا مثلهم، وكأن الأطفال الذين دفنوا تحت الأنقاض لم يكن لهم أسماء وأحلام وضحكات أطفئت قبل أوانها.

ماذا قدم العالم لغزة؟

ماذا قدم الصليب الأحمر غير بيانات القلق؟ أين جمعيات حقوق الإنسان التي ملأت الدنيا ضجيجا حين كان الأمر يخص دولا أخرى؟ أين المنظمات التي تدعي الدفاع عن حقوق الطفل بينما أطفال غزة يقتلون جوعا وقصفا وبردا؟ أين حقوق المرأة التي ينادون بها بينما النساء الفلسطينيات يلدن تحت الركام، وينتزعن من الحياة مع أطفالهن، ويتركن في العراء دون مأوى أو دواء؟

ماذا قدمت المحكمة الدولية سوى تقارير تملأ الأدراج دون أن تحرك ساكنا؟
قرارات تصدر ولا تنفذ، وكأنها لم تكن.
ماذا قدمت سوى بيانات رسمية سرعان ما تطوى في أرشيف النسيان


ماذا فعلت الأمم المتحدة غير البيانات التي لا يسمعها أحد؟ ما قيمة القوانين الدولية إذا كانت تكسر أمام العالم ولا أحد يجرؤ على محاسبة القاتل؟

أما الدول العربية والإسلامية، فهي في سبات، إما صامتة أو مشغولة. مشغولة بمهرجاناتها، بمسلسلاتها، بتوزيع الجوائز، وكأن الدماء التي تسيل في غزة مجرد مشهد سينمائي لا يخصهم. أما الشعوب، فمنهم من يبكي ولا يملك إلا الدعاء، ومنهم من صرخ حتى بح صوته، لكن الصرخات تضيع في صخب المصالح والحسابات السياسية.

لا أحد يدرك أن غزة ليست وحدها المستهدفة، بل المنطقة كلها. الدول العربية ستسقط واحدة تلو الأخرى، وإن لم يكن بالقصف، فبالإفقار والتجويع والتفكيك من الداخل. وحينها، سيعرف الجميع أن ما حدث في فلسطين لم يكن معزولا، لكنه كان البداية فقط.

في النهاية…

الفلسطينيون لا يدفنون فقط، بل يهجرون أولا، يطردون من بيوتهم، من ذكرياتهم، من حياتهم الطبيعية، ثم يحشرون في زوايا ضيقة لا تصلح حتى للحيوانات. يحرمون من الماء، من الطعام، من الدواء، من كل ما يجعل الإنسان إنسانا. وعندما يموتون، يدفنون بلا وداع، بلا جنازات تليق بكرامتهم، بلا قبور تحفظ أسماءهم.

العالم يرى. يعرف. يدرك. لكن الصمت هو سيد الموقف. ما قيمة الإنسانية إذا لم تستطع أن توقف المجازر؟ ما فائدة الضمير العالمي إذا كان الانتظار حتى تنتهي المأساة هو خياره الوحيد؟ غزة لا تحتاج إلى دموع تذرف أمام الشاشات، بل تحتاج إلى أفعال حقيقية، تحتاج إلى من يقف بوجه هذا الطغيان، من يكسر دائرة الموت هذه قبل أن يباد جيل كامل دون أن يجد من ينقذه.

سمى حسن عبدالقادر ( Soma Hassan ) ( سوما )


Soma Hassan

شاهد أيضاً

القبض على مشتبه به بترويج عملة نقدية مزيفة في قلقيلية

القبض على مشتبه به بترويج عملة نقدية مزيفة في قلقيلية

شفا – قبضت الشرطة، اليوم الأحد، على مشتبه به بترويج عملة نقدية مزيفة في محافظة …