5:19 مساءً / 23 مارس، 2025
آخر الاخبار

دراما السمّ المغلّف بالعسل ، كيف أفسدت الدراما المستوردة نسيجنا الاجتماعي؟ بقلم: أ. جندل صلاح

دراما السمّ المغلّف بالعسل ، كيف أفسدت الدراما المستوردة نسيجنا الاجتماعي؟ بقلم: أ. جندل صلاح

دراما السمّ المغلّف بالعسل ، كيف أفسدت الدراما المستوردة نسيجنا الاجتماعي؟ بقلم: أ. جندل صلاح

قبل عشرين عامًا، كان مجتمعنا يعيش في حالة من الطمأنينة والألفة، لم تكن الجرائم العائلية تعرف طريقها إلى بيوتنا، ولم تكن الخيانة الزوجية تملأ المجالس حديثًا، ولا كانت العصابات أو الابتزازات أو الأتاوات سطورًا مروعة في صفحات الأخبار. كانت العلاقات الأسرية تُعدّ مرساة الأمان، وكان الحب في كنف الأسرة يُقدّس ويُحترم. كانت الطلاقات نادرة، والعلاقات العاطفية على شفير الهاوية كحبة الرمل التي لا يمكنها أن تعكر صفو البحر الهادئ. فما الذي حدث؟ كيف أصبحنا في هذا العالم الذي أضحى غريبًا عن ماضينا؟

تبدأ الحكاية مع دخول الدراما المستوردة إلى بيوتنا، حينما اجتاحت شاشاتنا بكل زخرفها وجمالها، وكان السمّ فيها محشوًا بعسل المغريات. قُدّمت لنا كأداة للترفيه، لكنّها كانت خفية في شكلها القاتل، تشعل العقول بشغف التسلية، ولكنها تُغرقها في وحل التغييرات التي لا نعلم مدى عواقبها. كانت الحلقات تتوالى وكأنها أزهار جميلة على غصن هش، لكن كل زهرة كانت تحمل معها جرعات من السموم التي تترسب في لا وعينا. مع كل حلقة جديدة، كانت تُدرَج في عقلنا مفاهيم دخيلة، تزرع بذور التشويش والتمرد على أسسنا الثابتة، كأنما تغرينا بالانحراف عن الطريق، وتوهمنا أننا نعيش في واقعٍ لا علاقة له بالذي كنا نعرفه.

لقد تغيّر البُعد العاطفي في حياتنا. في الماضي، كانت العائلة هي حجر الزاوية، هي السند الذي يرتكز عليه كل فرد في المجتمع. أما الآن، فقد أصبحت العلاقات العاطفية السطحية والتمسك بالحب المريض هو اللغة التي تهيمن على أفكار شبابنا. أصبحت الأسرة بالنسبة للكثيرين شيئًا قديمًا، وكأنها جزءٌ من الماضي الذي يجب التخلص منه لصالح عالم خيالي يتمثل في تلك الدراما الزائفة.

إن هذه الدراما لم تكتفِ بأن تكون مجرد ترفيه، بل تحولت إلى سلاح فتّاك يفرّغ أرواحنا من القيم والمفاهيم التي كانت تميزنا. هي بمثابة مرآة مشوّهة تعكس لنا صورًا زائفة لعلاقاتنا، تراها في البداية كعطورٍ زكية تداعب حواسك، ولكن سرعان ما تتحول إلى سحبٍ داكنة تُغطّي سماء الواقع. هي تجذب العقول العطشى للبحث عن الحب المأمول، ولكنها تتركها غارقة في بحورٍ من التوهّم والمشاعر الزائفة التي لا تلبث أن تتلاشى، تاركة وراءها جفافًا عاطفيًا لا يمكن شفاءه.

لقد بدأت تتسلل آثار هذه الدراما إلى سلوكنا الاجتماعي. لم نعد نرى العلاقات كما كانت من قبل؛ لقد أصبحنا نشهد جرائم لم نكن نتخيل أنها يمكن أن تحدث في مجتمعاتنا الهادئة. الأصدقاء، الذين كان من المفترض أن يكونوا سندًا لأفراد الأسرة، أصبحوا هم محوريّين في حياة الكثيرين. العمل، الذي كان يجب أن يكون مجرد وسيلة للتكامل الاجتماعي، أصبح هو المعيار الذي يحدّد قيمة الإنسان. كلما ابتعدنا عن جذورنا الدينية والثقافية، كلما زادت هذه الظواهر السلبية في الانتشار. أصبحنا نغرق في عالم التكنولوجيا، التي كان من المفترض أن تكون أداة للعلم والتقدم، ولكننا استخدمناها لزيادة التزييف في حياتنا.

هذه التكنولوجيا، التي كانت بمثابة شمسٍ تشرق على عقولنا بالمعرفة والوعي، تحولت إلى سحابة مظلمة تُلقي بظلالها على سلوكنا. بدلاً من أن نستخدمها في تطوير أنفسنا، أصبحنا ندمن على تقليد نماذجٍ بعيدة عن واقعنا وأخلاقنا. وإذا لم ننتبه، فإننا قد نكون قد بدأنا نضيّع هويتنا شيئًا فشيئًا.

في هذه اللحظة الحرجة، يتعين علينا أن نعود إلى الأسس التي قامت عليها مجتمعاتنا، إلى ديننا الذي يحثّنا على الاعتدال، ويُرشدنا نحو فطرةٍ سليمة تنبذ الغلو والانحراف. يجب أن نُعيد بناء العائلة، كحجر الزاوية الذي يقوم عليه المجتمع، وأن نملأ عقول أطفالنا بالعلم والمعرفة، لا بالوهم والخيال. العلم هو الذي يُنير دروبنا، والمعرفة هي التي تُعدّ سلاحًا في مواجهة التحديات، أما التقليد الأعمى فهو الطريق الذي يقودنا إلى الضياع.

كما أن الحقل الذي يُترك للإهمال والأعشاب الضارة يُمسي قاحلًا ويعجز عن أن يُثمر، كذلك فإن العقول التي تُترك دون توجيهٍ أو زراعةٍ بالوعي تصبح أرضًا خصبة للفساد. يجب أن نعمل على استنبات الوعي في عقول الأجيال القادمة، وأن نُحافظ على جوهرنا الثقافي والديني، فلا ندع أنفسنا نصبح ضحايا للخيالات المستوردة التي لا علاقة لها بهويتنا ولا بتقاليدنا.

إن حلّنا يكمن في أن ننتبه لما يحدث حولنا، وأن نعيد إلى مجتمعاتنا القوة التي كانت تميزها: القوة في الأسرة، القوة في القيم، القوة في العلم. إذا استمرينا في الغفلة، فإننا سنستيقظ على واقعٍ لا يعكسنا، واقعٍ غريبٍ لا نعرفه، ونجد أنفسنا قد فقدنا السيطرة على ما كان يجب أن يكون أساسيًا في حياتنا: هويتنا.

شاهد أيضاً

الاحتلال وضع 849 حاجزا وبوابة في الضفة الغربية

الاحتلال وضع 849 حاجزا وبوابة في الضفة الغربية

شفا – خلص مسح سريع أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية …