
صراع البقاء العبثي ، بقلم : إيمان مرشد حماد
ما عليك إلا أن تشاهد فيلماً وثائقياً عن صراع الحيوانات في الغابات الوارفة بالصراع حيث تتشابك الصرخات كما تتشابك الاغصان لتتيقن أننا البشر _ شأننا شان الكائنات الحية الأخرى على هذا الكوكب التعيس_نضيع أعمارنا في التورط في صراعات عبثية لا طائل من ورائها ، ولا يحركها سوى الأنانية والأثرة البغيضة. فالأرض كما تبدو لنا جميعا رحبة بما يكفي لتتسع للجميع ، ولا يوجد أي مبرر لنعتبر أننا نخوض صراعات محتومة يفرضها علينا الواقع .مثلا في فيلم وثائقي عن الافاعي تجد هذا الصراع بين أفعى سامة وأخرى عاصرة وكلٌّ منهما تبذل جهدا محموماً بغية الإجهاز على الأخرى.
وهنا يحضرني سؤال : ” الا يوجد على سطح هذه الأرض الفسيحة جحر صغير يحتوي كلاًّ من هاتين الحيتين؟ وهل ضاقت عليهما الأرض لتبذل كل واحدة منهما جهدا جبارا في النيل من الاخرى؟! الجواب بيّن ومع ذلك يستمر الصراع ويحتدم القتال . هذه تعصر الأخرى بكل ما أوتيت من شدة ، وتلك تعض الأخرى يانيابها لتفرغ ما لديها من سم زعاف لتقتل غريمتها. ولو كان لنا أن نسألهما عن سبب الصراع فلا بد ان كلَّ واحدة منهما ستحمل الأخرى مسؤولية التسبب بالاقتتال.
هذا المشهد المفزع على بساطته وتكراره يشبه صراع البشر في ميادين الحياة بطرق شتى إما رغبة في الهيمنة أو في التملك . وكلُّ هذا يحدث في حلبة الحياة التي تشبه أحداثها رقصة مليئة بالحذر والترقب. وكل طرف يوظف الدهاء في حسم الصراع الذي يتصوره على انه صراع وجود ، وهو في جوهره ليس إلا غريزة عدوانية لا مبرر لها ، فالأرض تتسع لجميع البشر والكائنات الموجودة على سطح هذه البسيطة، كما أن الغابة بمساحاتها اللامحدودة وظلالها الغامضة تكفي لكل الحيوانات الشرسة والاليفة.
وسواء كان الصراع في قلب الغابة او في أروقة المدن فالمنطق واحد والقسوة ذاتها كما تشاهدها في صراع الاناكوندا والكوبرا فكلاهما يحملان مزيجاً من الدهاء والفراسة لحسم المعركة او للبحث عن معنى في الفوضى.
ولا أصدق من قصة قابيل وهابيل حيث الأرض لم تتسع لاخوين بل قتل أحدهما الآخر دون رحمة ودون اي خطيئة من المقتول ، فالأمر لا يتطلب سوى الكثير من الشر والقليل من العنف والقسوة. ولكن هل تدرك الافاعي يوما ان لكل منها مكاناً أو جحراً تحت أشعة الشمس اللاهبة؟ وهل يدرك البشر ان الإنسان لا يحتاج إلى أكثر من مترين في بطن الأم الحبلى بالجثث وكأن الشمس تشرق لقتل المزيد والمزيد في عملية بيولوجية مستمرة تسرعها الصراعات العبثية والسريالية بلا شفقة وكان الإنسان دراكولا لا يعيش إلا على امتصاص دماء أخيه الإنسان كما تعيش الافاعي على التهام بعضها بعضا.
وسواء كان الصراع في عمق الغابات أو في ثنايا المدن المتحضرة فالعبرة واحدة ومفادها ان القوة لا تكمن في سمية اللدغة أو قوة العصرة وإنما في التريث وتجنب الصراع واهم شيء تجنب المعركة الذي تثق انك انت الطرف الأقوى فيه لان الاستقواء على الضعيف جبن وخسة وهذا هو الامتحان الحقيقي لإنسانيتك.
- – إيمان مرشد حماد – محاضرة في قسم اللغة الإنجليزية – جامعة النجاح الوطنية