
الأستاذة تمام عماوي ، أم طارق، النور الذي أضاء دربي وأثرٌ لا يزول ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في مسيرة الحياة، نلتقي بأشخاص يمرّون مرور العابرين، لا يتركون أثرًا، ولا يغيّرون فينا شيئًا، وفي المقابل هناك من يخلّدون أسماءهم في أرواحنا، يتركون بصمة لا تمحوها الأيام، ويضيئون مساراتنا بلطف قلوبهم، وصدق دعمهم، وكرم عطائهم. ومن بين أولئك الذين وهبني القدر شرف معرفتهم، كانت الأستاذة تمام، أم طارق، الإنسانة التي لم تكن مجرد زميلة عمل، بل كانت أختًا، وأمًّا، وصديقة، ومديرة، وسندًا حقيقيًا في كل مراحل حياتي المهنية والأكاديمية.
تسع سنواتٍ… ولم تكن مجرد سنوات، بل كانت عمرًا من المساندة والعطاء، من الأخوّة الصادقة، والدعم الذي لا يُطلب، والاحتواء الذي لا يُشترى. منذ اللحظة الأولى التي جمعتني بها أروقة المدرسة الخاصة التي عملتُ بها، أدركتُ أنني أمام امرأة ليست كباقي النساء، أمام إنسانة تحمل في قلبها من النبل والطيبة ما يفوق الوصف، وأمام قائدة لا تبحث عن الألقاب، بل تصنع الفرق في حياة كل من حولها.
كانت الأستاذة تمام نائب مدير المدرسة، لكنها لم تكن تمارس دورها من خلف المكاتب، بل كانت تعيش تفاصيل كل معلم ومعلمة، تسأل عن أحوالنا، تتابع تقدمنا، ترشدنا بحكمة الأم، وتشجعنا بكلماتها الصادقة التي تبعث القوة في النفوس. لم تكن تقف عند حدود دورها الرسمي، بل كانت تذهب أبعد من ذلك بكثير، فقد كانت تساندني في كل خطوة، تقيّم حصصي، تمدّني بالملاحظات البناءة، تُثني على جهودي، وتقول لي دائمًا: “د. تهاني، أسلوبك رائع، وتعاملُكِ أروع، أنتِ معلمة بروحٍ مختلفة”.
ولكن دعمها لي لم يتوقف عند حدود المدرسة، بل امتد ليشمل رحلتي العلمية. كنتُ في ذروة انشغالي بين التدريس والدراسة، أتنقل بين العمل والجامعة، بين مسؤولياتي المهنية وطموحي الأكاديمي، وكانت الأستاذة تمام كالجسر الذي يربط بين العالمين، تمدّ لي يد العون كلما شعرتُ بالتعب، تحفّزني حين يخفت شغفي، وتخفف عني عندما تثقلني المسؤوليات.
لم تقتصر على الكلمات، بل كانت أفعالها أصدق من أي تعبير. حين كنتُ أذهب لحضور محاضرات الماجستير والدكتوراه، كانت تعرض أن تأخذ عني بعض الحصص، كي لا أشعر بالضغط أو التقصير تجاه طلابي، كانت تتابعني أثناء سفري، تسأل عني، تطمئن عليّ، وكأنني فردٌ من عائلتها، لا مجرد زميلة عمل.
وعندما جاء اليوم الذي توّجتُ فيه رحلتي الأكاديمية بدرجة الدكتوراه، لم تكن الأستاذة تمام بعيدة عن المشهد، بل كانت أول من احتفل بي، أول من قدّر جهودي، وأول من كرّمني بحبٍّ وفخرٍ خالصين، وكأن نجاحي كان نجاحها، وكأن فرحتي كانت فرحتها. أي قلبٍ يحمل هذا الكمّ من النقاء؟ وأي إنسانيةٍ تتجسد في شخصٍ بهذا العطاء؟
اليوم، وبعد أن أصبحتُ في مرحلة مختلفة من حياتي، ما زالت بصمة الأستاذة تمام حاضرةً في كل ما حققته، ما زالت كلماتها تتردد في ذهني كلما واجهتُ تحديًا جديدًا، ما زال دفؤها يحيطني كلما تذكرتُ كم كانت تؤمن بي، وكم كانت تراني بنظرها أقدر مما كنتُ أرى نفسي.
تمام… أم طارق، الإنسانة التي تجسدت فيها معاني الأخت، والأم، والصديقة، والمسؤولة التي لم تقتصر مسؤوليتها على العمل، بل شملت القلوب والمشاعر والدروب. شكرًا لأنكِ كنتِ أحد أعمدة رحلتي، شكرًا لأنكِ علمتِني أن العطاء لا يُشترط أن يكون ماديًا، بل قد يكون في كلمة، في لمسة دعم، في موقف صادق.
ولأن الإنسان أثر… فأنتِ أثرٌ خالدٌ في روحي، أنتِ بصمةٌ لا يمحوها الزمن، وأنتِ النور الذي أضاء دربي يومًا، وسيبقى إشعاعه يرافقني مدى العمر.