12:32 صباحًا / 21 مارس، 2025
آخر الاخبار

“الأخت والصديقة الأستاذة حنان الصفدي… أثرٌ لا يمحوه الغروب” ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

"الأخت والصديقة الأستاذة حنان الصفدي… أثرٌ لا يمحوه الغروب" ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

في دروب الحياة، نلتقي بالكثيرين، بعضهم يمرّ كنسيمٍ عابر، يترك أثرًا خفيفًا سرعان ما يتلاشى، وبعضهم يكون كالشمس التي تنير الدروب، تبقى حرارتها في القلب، وضوؤها في الذاكرة، مهما ابتعدت المسافات أو فرّقتنا مشاغل الأيام. حنان الصفدي واحدةٌ من أولئك الذين لا تغيب شموسهم، مهما ازدحم العمر بالالتزامات، ومهما جرفتنا سرعة الحياة نحو أفقٍ جديد.

تعرفتُ إليها خلال دراستي لدرجة الماجستير في جامعة النجاح الوطنية الفلسطينية، وكنتُ محظوظةً أن يكون لي نصيبٌ في لقائها، فهي روحٌ نادرة، تحمل من التواضع ما يجعلك تشعر وكأنك تعرفها منذ زمن، ومن الأخلاق ما يجعلها درّةً في أي مجلسٍ تكون فيه. لم تكن زميلة دراسة فحسب، بل كانت أختًا وصديقةً ورفيقة دربٍ علمي وإنساني، تشارك بحب، وتدعم بإخلاص، وتمنح من قلبها دون انتظار مقابل.

من المواقف التي نقشت في ذاكرتي يوم وقفتُ لأول مرة لأقدم عرضًا أمام الزملاء، كانت دقات قلبي تتسارع، والمخاوف تتراقص في ذهني، لكن قبل أن أخطو نحو المنصة، وجدتُ حنان تبتسم لي بحنانٍ وكأنها ترسل طمأنينة خفية. اقتربت مني وقالت همسًا: “معطفك الأحمر جميل، سيمنحك ثقةً مضاعفة اليوم!”.

ضحكتُ يومها رغم توتري، وأدركتُ أنها لم تكن تقصد مجرد تعليقٍ على معطفي، بل كانت تحاول أن تسرق خوفي بحديثٍ بسيط، لكنها بحكمتها العفوية جعلتني أرى الأمر من زاويةٍ مختلفة، فالقوة لا تأتي من المعرفة وحدها، بل من ثقتك بنفسك، ومن أولئك الذين يحيطونك بدفء كلماتهم حين تحتاج إليها.

وخلال فترة دراستنا، كنا نتبادل الملحوظات والمحاضرات بكل حب وتواضع، كأننا نؤمن أن المعرفة ليست حكرًا على أحد، وأنها تكبر حين نشاركها. لم تكن العلاقة مجرد زمالة أكاديمية، بل كانت تفيض بالنقاء، حيث كانت حنان أول من يساند، وأول من يُطمئن، وأول من يقول: “أنتِ قادرة، امضي للأمام!”.

ومن الدروس التي علّمتني إياها درسٌ لا يُنسى، حين حصلنا أنا وهي على نفس العلامة (+B) في إحدى المواد، وكنتُ أشعر بالحزن لأنني كنت أطمح إلى علامةٍ أعلى، لكنها بابتسامتها الهادئة قالت لي: “العلامة ليست مقياسًا لقدرتكِ، أنتِ رائعة، وأحمدي الله على كل شيء”.

يومها، لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل كانت نافذةً جديدة على الحياة، تعلّمتُ من خلالها أن النجاح لا يُقاس برقم، بل بمدى ما تعلمته، وبمدى اجتهادي، وبالقيمة التي أضفتها إلى ذاتي. ومرت الأيام، وتخرجنا، وتفرقت بنا المسارات، لكن أثرها ظل حيًا في ذاكرتي، تمامًا كما تظل الشمس تنعكس على صفحة البحر حتى بعد أن تغيب.

حتى بعد أن بدأت مسيرتها المهنية كمعلمة، لم ينقطع التواصل، بل كنا نتبادل الأفكار والملفات التعليمية، وكأنها لا تزال تلك الزميلة التي تمنح دون أن تنتظر شيئًا في المقابل، وكأنها لا تزال تؤمن أن العلم مشاركة، وأن الدعم الحقيقي لا تحدّه مقاعد الدراسة، بل يستمر في كل مراحل الحياة.

شكرًا حنان على أثركِ الطيب، على كلماتكِ التي كانت بلسَمًا في أوقات القلق، على دعمكِ الدائم، على إنسانيتكِ الصادقة، وعلى كل اللحظات التي جعلتِها أكثر خفةً وجمالًا.

حقًا، هناك آثارٌ لا يمحوها الغروب، وأنتِ أحدها.

شاهد أيضاً

الآلاف يؤدون صلاة العشاء والتراويح في المسجد الأقصى

الآلاف يؤدون صلاة العشاء والتراويح في المسجد الأقصى

شفا – أدى آلاف المصلين، مساء اليوم الخميس، صلاة العشاء والتراويح في المسجد الأقصى المبارك، …