1:57 صباحًا / 20 مارس، 2025
آخر الاخبار

الدكتور ربيع لحلوح ، أول ربيع في حياتي وأثر لا يزول ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الدكتور ربيع لحلوح ، أول ربيع في حياتي وأثر لا يزول ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الدكتور ربيع لحلوح ، أول ربيع في حياتي وأثر لا يزول ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

في مسيرة التعليم الطويلة، يمرّ المعلمون بالعديد من الطلاب، بعضهم يترك أثرًا عابرًا، وآخرون ينقشون أسماءهم في الذاكرة بحروفٍ من نور، ليس فقط بتفوقهم، بل بإنسانيتهم وأخلاقهم وصدق قلوبهم. ومن بين هؤلاء، هناك طالبٌ واحد، لم يكن مجرد طالب، بل كان ابنًا لم تلده أيامي، وربيعًا أزهرت به ذاكرتي، وبقيت أريجه يفوح حتى اليوم… إنه الدكتور ربيع لحلوح.

كان لقائي الأول به عندما كان طالبًا في الصف السادس، وكان من حسن حظي أنني درّسته اللغة الإنجليزية في مرحلة كان فيها التميّز هدفه، والتفوق مسعاه. لم يكن مجرد طالبٍ مجتهد، بل كان نجمًا يتلألأ بين زملائه، ذكاؤه كان واضحًا كالشمس، والتزامه كان مثالًا يُحتذى به. كان الأول دائمًا، ليس فقط في علاماته، بل في أخلاقه، في تعامله الراقي، في احترامه للعلم ولمن علموه. ربيع كان اسمه يحمل من معناه نصيبًا، فقد كان كنسيم الربيع، يأتي ليجعل كل شيء أكثر إشراقًا وجمالًا.

في تلك الأيام، كنتُ في بداية مسيرتي التعليمية، ولم يكن لدي أبناء بعد، وذات يوم، صادف أن حلّ عيد الأم، وكنتُ أراقب الطلاب وهم يتحدثون بحماسٍ عن الهدايا التي سيقدمونها لأمهاتهم، ولم يخطر ببالي أبدًا أن أكون جزءًا من هذا الاحتفال العائلي البسيط. لكن ربيع، ذلك الطفل الذي كانت روحه أكبر من عمره، فاجأني بهديته وباقة زهورٍ نديّة، وكلماته التي لا تزال ترنّ في أذني حتى اليوم: “أنتِ مثل أمي”.

لا أستطيع أن أصف تلك اللحظة التي انهمرت فيها مشاعري كالمطر، كيف لقلب طفلٍ أن يحمل كل هذا النقاء؟ كيف لعقل صغير أن يدرك أن معلمته، رغم حبها لمهنتها، كانت بحاجة إلى كلمةٍ دافئة في ذلك اليوم؟. كان ذلك الموقف أجمل هديةٍ تلقيتها على الإطلاق، ليس فقط لأنها كانت أول هدية عيد أم تصلني في حياتي، بل لأنها جاءت من قلبٍ طاهر، من طالبٍ أدرك منذ صغره أن الامتنان لا يُنتظر، بل يُعبر عنه دون تردد.

ومرت السنوات، كبرتُ وكبر ربيع، لكنه لم يتغير، لم تغب عنه تلك الروح المشرقة، ولا ذلك النبل الفطري الذي يسكنه. اجتاز الثانوية العامة بامتياز، وكان من المتفوقين كما عهدته، لكن طموحه كان أبعد من حدود الوطن، فسافر إلى ألمانيا، حيث واصل طريقه العلمي ودرس الصيدلة، ليصبح اليوم طبيبًا بارعًا وأحد الأسماء اللامعة في مجاله.

ورغم المسافات التي فرّقتنا، ورغم ازدحام الحياة، لم يمر عيد أم واحد دون أن تصلني منه رسالة، تذكّرني بذلك الطفل الصغير الذي وقف يومًا أمامي حاملًا زهورًا وقلبًا أبيض. ربيع لم يكن مجرد طالب، كان قصة جميلة، نقشها الزمن في ذاكرة أيامي، وكان أول ربيع أزهر في حياتي، ولا يزال أثره دائمًا لا يذبل ولا يغيب.

شكرًا لك يا ربيع، لأنك كنت دائمًا الأول… في دراستك، في أدبك، في تميّزك، وفي أثرك الذي سيبقى مزهرًا مدى العمر.

شاهد أيضاً

الكنيست يصادق على إعادة تعيين بن غفير وزيرا للأمن القومي

شفا – صادق الكنيست، على قرار الحكومة الإسرائيلية إعادة وزراء حزب “عوتسما يهوديت” بزعامة إيتمار …