5:25 مساءً / 18 مارس، 2025
آخر الاخبار

صراع الأفاعي في غابة الحياة: حين نكون جلادي أنفسنا ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات

صراع الأفاعي في غابة الحياة: حين نكون جلادي أنفسنا ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات

صراع الأفاعي في غابة الحياة: حين نكون جلادي أنفسنا ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات

في غابة الحياة، حيث تتشابك الأشجار كأقدارنا، وحيث تعكس قطرات الندى على الأوراق قصصًا لم تُروَ بعد، كان المشهد الذي رأيته على شاشة التلفاز أشبه بلوحة رسمتها الطبيعة بريشة الألم والمصير المحتوم. كانت المواجهة بين ثعبان البايثون والكوبرا الملك أقرب إلى صراع مرير، تتجسد فيه حقيقة البشر حين يصرّ كل طرف على سحق الآخر، متناسيًا أن الغابة تتسع للجميع، وأن الشمس لا تحجب نورها عن أحد.

البايثون، بثقل جسده وقوته الهائلة، التف حول الكوبرا، يعصرها شيئًا فشيئًا، كأنما يختزل في قبضته أنانية الإنسان حين يحاصر أحبّاءه بمشاعره المفرطة، فلا يمنحهم حرية التنفس ولا يدرك أن الحب الذي يخنق، لا يبقى حبًا، بل يتحول إلى قيد خانق. أما الكوبرا، فلدغت خصمها بنابها السام، كما يلدغ البعض منّا بلسان مسموم، بكلمة جارحة، بخيانة لا تغتفر، بتشكيك يهوي بثقة الآخر في قاعٍ بلا قرار. ومثلما أنهك كل منهما الآخر حتى لم يبقَ في الجسد روح، سقطا معًا، بلا منتصر ولا مهزوم، وكأن القدر يعيد على مسامعنا درسًا لا نكفّ عن تجاهله: حين نطغى، نهلك جميعًا.

كم مرة كنا جلادي أنفسنا؟

كم مرة كنا البايثون، ظانّين أن الحب امتلاك، فحاصرنا من نحب بأنانيتنا حتى خنقناهم؟ كم مرة كنّا الكوبرا، نلدغ بكلمة قاسية، أو نظرة استعلاء، أو خيانة عابرة، لنكتشف متأخرين أن الجرح الذي أحدثناه كان أعمق مما تخيلنا؟ كم مرة ظننا أن العاصفة وحدها تقتلع الأشجار، ثم أدركنا أننا نحن الريح التي أسقطت أوراق العلاقات واحدة تلو الأخرى؟

كم صداقة ذبلت لأن أحدهم أراد أن يكون الأعلى، متناسيًا أن القمة ليست عرشًا يحتكره فرد، بل فضاء واسع يتسع لكل مجتهد، ولكل صادق، ولكل من يسعى بروحه قبل قدميه؟ كم بيتًا انهار لأن الثقة فيه لم تكن أساسًا متينًا، فانهدم كما ينهدم برجٌ من ورق تحت أول قطرة مطر؟

الحياة ليست حلبة صراع، ولا ينبغي أن نعيشها وكأننا في سباق محموم، ندهس فيه مشاعر من حولنا في سبيل الوصول إلى القمة، متناسين أن القمة التي تُبنى على أنقاض الآخرين، ليست قمة، بل وهمًا زائلًا. القوة الحقيقية ليست في البطش، بل في الرحمة، وليست في الخداع، بل في الصدق، وليست في أن نكون الأعلى، بل في أن نكون الأوفى.

أشياء لا تعود

تذكروا، هناك أشياء في هذه الحياة، إن فقدناها، لن تعود كما كانت:

الفرصة، إن أضعناها، لن تعود بنفس السخاء، فقد تمنحنا الحياة أخرى، لكنها لن تكون بذات البريق.

الكلمة، إن نطقت بها دون تفكير، قد تظل ترنّ في أذن من سمعها إلى الأبد، فإما أن تكون بلسماً يشفي، أو خنجرًا لا يُنتزع.

الوقت، إن مضى، لن يعود أبدًا، فهو النهر الذي لا يمكن أن نغتسل فيه مرتين.

الثقة، إن انكسرت، ستبقى كسراً في المرآة، حتى لو حاولنا إصلاحها، سيظل الشرخ ظاهرًا.

القمة تتسع للجميع

فلنتوقف عن تدمير بعضنا البعض بأيدينا، ولنتذكر أن الأرزاق مقسمة من عند الله، وأن الشمس تشرق على الجميع دون أن تسأل عن أسمائهم. لنكن مصدرًا للنور لا للظلام، ولنتعلم أن اليد التي تبني، أقوى من اليد التي تهدم.

في هذه الغابة الموحشة، لنتعلم كيف نكون أشجارًا مورقة، تمنح الظل والراحة، بدلًا من أن نكون أعاصير تقتلع كل شيء في طريقها. القمة تتسع للجميع، فلنرتقِ بأخلاقنا قبل أن نرتقي بمناصبنا، ولنزرع في هذه الحياة أشجار التسامح بدلًا من أشواك الكراهية.

شاهد أيضاً

بيت لحم : استشهاد الأسير المحرر كاظم زواهرة متأثرا بجروحه

شفا – أعلنت مصادر طبية في مستشفى بيت جالا الحكومي اليوم الثلاثاء، استشهاد الأسير المحرر …