5:06 صباحًا / 1 أبريل، 2025
آخر الاخبار

الصبر بين الاحتراق والخلود ، حين يصبح الصبر جمرا على الشفاه ، بقلم : هدى زوين

الصبر بين الاحتراق والخلود ، حين يصبح الصبر جمرا على الشفاه ، بقلم : هدى زوين

الصبر بين الاحتراق والخلود: حين يصبح الصبر جمرا على الشفاه ، بقلم: هدى زوين

الصبر ليس مجرد فعل انتظار، بل هو احتراق بطيء لا يشعر به إلا من تجرع مرارته. هناك صبرٌ يشبه الظل، يمنح صاحبه راحة وطمأنينة، وهناك صبرٌ أشبه بالجمر، كلما طال أمده ازداد التهابًا. الصبر الذي يتحدث عنه العابرون لا يشبه صبر من عاش الخذلان، من تجرع الألم حتى أصبح طعمه مألوفًا، من وقف أمام مرآة الأيام ورأى نفسه يذوب ببطء، لكنه رغم ذلك، لم يسقط.

“أنا الصابر صبر عاكول بل بيد،


من يعطش جمر بشفايفه يذوق.”

إنها ليست مجرد كلمات، بل حالة وجودية يعيشها الإنسان حين يتحول الصبر من فضيلة إلى اختبار قاسٍ، من انتظارٍ إلى معركة بين الإرادة والانهيار. سوف نغوص في أعماق الصبر حين يصبح عبئًا ثقيلًا، حين يصبح جمرًا يلسع الروح، وحين يتحول، رغم كل شيء، إلى الخلود. وهنا يأتي السؤال


متى يصبح الصبر موتًا صامتًا؟

هناك نوع من الصبر لا يقود إلى النجاة، بل إلى الانطفاء التدريجي. هو ذلك الصبر الذي يشبه السير في صحراء بلا نهاية، حيث كل خطوة تزيد العطش، وكل أمل يتبخر قبل أن يكتمل. هذا النوع من الصبر يقتل الإنسان ببطء، ليس جسديًا، بل روحيًا. إنه الصبر الذي يجعل صاحبه يرى الأيام تتكرر بلا تغيير، بلا خلاص، حتى يصبح جزءًا من الانتظار نفسه، لا من الحياة.

لكن رغم ذلك، لماذا يصبر الإنسان؟ هل هو الإيمان بأن هناك ضوءًا في آخر الطريق؟ أم أنه مجرد وهم يحاول التمسك به حتى لا ينهار تمامًا؟ أحيانًا، يكون الصبر شكلاً من أشكال الانتحار البطيء، حيث يقتل الإنسان رغباته، أحلامه، وحتى إحساسه بالحياة، فقط كي لا يواجه الحقيقة.

حين يتحول الصبر إلى عادة، يصبح الإنسان عبدًا له. يعتاد الصمت بدل المواجهة، والانتظار بدل التغيير، والتضحية بدل الانتصار. هذا الصبر ليس قوة، بل استسلام مقنع، إذ يُقنع الإنسان نفسه أنه قوي لأنه يتحمل، لكنه في الواقع يسحق نفسه ببطء، وكأن صبره مجرد قيد يمنعه من الانفجار.

الفرق بين الصبر والقهر هو أن الأول يمنح الأمل، والثاني يستهلك الروح حتى تصبح فارغة من كل شيء إلا الألم. وهنا يُطرح السؤال: هل كل صبرٍ فضيلة، أم أن بعضه مجرد شكل آخر للانهزام؟

هناك نوعًا آخر من الصبر، ذلك الذي يولد من النار لكنه لا يحترق، بل يزداد صلابة. هو الصبر الذي يحول الألم إلى درع، والخذلان إلى معرفة، والانكسار إلى خطوة أخرى نحو القوة.

الصبر في هذه الحالة ليس مجرد تحمل، بل هو عملية إعادة تشكيل للذات. إنه إدراك أن الألم جزء من الرحلة، لكنه ليس النهاية. هذا الصبر هو ما يجعل الإنسان قادرًا على الوقوف بعد كل سقوط، على الابتسام رغم الدموع، وعلى العيش رغم كل ما فقده.

الإنسان الذي يصبر ليس هو نفسه بعد أن يعبر الألم. كل صبر يترك أثرًا، كل جرحٍ يضيف طبقة أخرى إلى روحه، حتى يصبح كيانًا مختلفًا تمامًا عن ذلك الذي بدأ الرحلة. بعض الأشخاص يخرجون من الصبر محطمين، لكن البعض الآخر يخرجون خالدين، لأنهم تعلموا كيف يجعلون النار وقودًا بدل أن تكون لعنة.

الصبر جمرٌ على الشفاه، لكنه أيضًا الجسر بين الانكسار والانتصار. هناك صبرٌ يستهلك الإنسان حتى لا يبقى منه شيء، وصبرٌ يصنع منه كيانًا أقوى من الألم نفسه. والسؤال الحقيقي ليس هل يجب أن نصبر، بل أي نوع من الصبر نختار؟

هل نختار الصبر الذي يقتلنا، أم الصبر الذي يحيينا رغم كل شيء؟

شاهد أيضاً

أسعار الذهب اليوم

أسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت أسعار الذهب اليوم الأثنين 31 مارس كالتالي :عيار 22 65.200عيار 21 62.300