
عصر الريلز .. سقوط القيم أمام هوس الترند ، بقلم : مريم شومان
في زمن أصبحت فيه الشهرة تقاس بعدد المشاهدات والتفاعل، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة مفتوحة لمحتوى رقمي لا يخضع لأي معايير أخلاقية أو قيمية، وبات الأطفال والمراهقون يتعرضون يوميا لموجة من “الريلز” التي في كثير من الأحيان لا تعكس سوى مظاهر سطحية وسلوكيات لا تتماشى مع ثقافة مجتعماتنا العربية المحافظة، وبينما يزداد هذا المحتوى جرأة وابتذالا، تغيب الضوابط الفعلية التي تحدّ من انتشاره، ليبقى السؤال الأهم: من يحمي أبناءنا من هذا الانحراف القيمي؟
المحتوى الهابط .. عنوان النجاح!
في ظل المنافسة المحتدمة على لفت الأنظار، أصبح إنتاج محتوى مثير للجدل وسيلة سريعة للشهرة وجذب الإعلانات بغض النظر عن مدى ملاءمته للقيم والتقاليد، لم يعد الغرض هو تقديم محتوى تعليمي أو ترفيهي هادف، بل أصبح التركيز على الإثارة والخروج عن المألوف وكسر الحواجز الأخلاقية من أجل تحقيق الترند.
أصبحنا نشهد مقاطع قصيرة تتعمد استعراض مظاهر البذخ المبالغ فيه، أو تقديم سلوكيات غير لائقة، أو حتى خوض تحديات خطيرة تهدد سلامة الأطفال والمراهقين فقط لأن الخوارزميات تدعم المحتوى الصادم بانتشاره الواسع، والأسوأ أن هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على صناع المحتوى الكبار، بل امتدت إلى الأطفال والمراهقين أنفسهم الذين باتوا يقلدون هذه السلوكيات طمعًا في الشهرة دون وعي بالعواقب الاجتماعية والنفسية.
منصات بلا رقابة .. ومجتمع بلا حماية
رغم أن منصات التواصل الاجتماعي تدّعي وضع سياسات لضبط المحتوى، إلا أن التجربة تثبت أن هذه السياسات غير كافية ولا تأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمعات العربية. المحتوى الذي يتم حظره في بعض الدول بسبب مخالفته للقيم ينتشر بسهولة في منطقتنا العربية، ما يجعل الأطفال والمراهقين عرضة لمشاهد وأفكار لا تتناسب مع بيئتهم الثقافية والدينية.
كما أن هذه المنصات لا تقدم حلا ولا فاعلية للرقابة الأبوية، بل تكتفي ببعض الأدوات الشكلية التي لا تمنع الأطفال من الوصول إلى المحتوى غير اللائق ما يزيد من مسؤولية الأهل في محاولة فلترة ما يشاهده أبناؤهم في مهمة أصبحت شبه مستحيلة أمام التدفق الهائل للمحتوى.
كيف نحمي أبناءنا من المحتوى الجريء؟
أمام هذا الواقع، يصبح دور الأسرة والمدرسة أساسيا في توعية الأجيال الناشئة بمخاطر الانسياق وراء المحتوى غير الهادف وتعزيز القيم الأخلاقية التي تحميهم من التأثر السلبي، كما أن الجهات المختصة في دولنا العربية مدعوّة إلى ممارسة مزيد من الضغوط على منصات التواصل الاجتماعي لفرض سياسات أكثر صرامة تحمي خصوصية المجتمعات وتراعي أخلاقياتها، وتوفير أدوات رقابة حقيقية تمنح الأهل مزيدا من التحكم فيما يشاهده أطفالهم.
أي مستقبل نريد لأطفالنا؟
إن استمرار هذا الواقع دون تدخل سيؤدي إلى تغيير جذري في منظومة القيم التي نشأ عليها المجتمع العربي، وسيخلق أجيالا ترى في المحتوى الهابط نموذجا للنجاح والتأثير، فالمعركة ليست فقط مع الخوارزميات التي تدفع بهذا النوع من المحتوى إلى الصدارة بل مع غياب الوعي الكافي بمخاطره.
المطلوب اليوم ليس رفض التكنولوجيا، ولكن إعادة توجيه استخدامها بما يحقق الفائدة، ويضمن الحفاظ على الهوية الثقافية والأخلاقية لمجتمعنا، لأننا إذا تركنا القيم تنهار أمام هوس “الترند” فإن الثمن سيكون مستقبلا لا يشبهنا.