9:53 مساءً / 15 مارس، 2025
آخر الاخبار

الأستاذة غدير الناجي ، صديقةٌ بروح الوطن ، وأختٌ لم تلدها أمي، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الأستاذة غدير الناجي ، صديقةٌ بروح الوطن، وأختٌ لم تلدها أمي ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الأستاذة غدير الناجي ، صديقةٌ بروح الوطن، وأختٌ لم تلدها أمي ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

في دروب الحياة، تصادف الكثير من الوجوه، تمرّ على قلوبنا بعض الأسماء مرور العابرين، بينما تترك أخرى أثرًا لا يُمحى، كأنها بصمةُ ضوءٍ على جدار الأيام، أو نقشٌ خالدٌ في ذاكرة الروح. هناك صداقاتٌ تولد من المصالح، وتبهت مع الزمن، وهناك صداقاتٌ تُروى بصفاء النوايا، فتزهر كالشجر الطيب، أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء.

وفي زمنٍ قلّ فيه الوفاء، وتلاشت فيه الصداقات الصادقة كأطياف حلمٍ بعيد، وُجدت غدير الناجي لتكون استثناءً، لتُعيد تعريف معنى الصداقة الحقيقية، ولتثبت أن الأخت قد تُولد من رحم الأيام لا من رحم الأم.

حين تهديك الأقدار أختًا لم تلدها أمك

لم يكن لقاؤنا وليد ترتيبٍ مُسبق، بل كان هديةً من القدر، صدفةً جميلة كأنها زهرةٌ نبتت على حافة العمر فجأة، لتملأ الطريق بعطرٍ لا يزول. تعرفتُ عليها في سياقٍ بسيط، لكنه ترك أثرًا عميقًا، فقد تواصلت معي عندما علمت بسفري إلى ماليزيا، وكان لديها أمانةٌ بسيطة لأولادها، وكم كان عظيمًا ذلك التواصل الذي تحوّل من مجرد رسالة عابرة إلى علاقةٍ أخوية، نسجتها الأيام بخيوط الحب والتقدير.

ومنذ تلك اللحظة، لم تكن غدير مجرد اسمٍ في قائمة الأصدقاء، بل كانت وطنًا صغيرًا يحمل معاني الصدق والكرم والشهامة. في حديثها سحرٌ يُزيل التعب، وفي كلماتها دفءُ البيت، وفي حضورها طمأنينة الأخت الحقيقية.

أبناء الأستاذة غدير… مرآة أمهم النقية

حين وصلتُ إلى ماليزيا، التقيتُ برفقتي الجديدة: رجائي ورفيف، ابناء الأستاذة غدير، اللذين لم يكونا مجرد شابين فلسطينيين في بلاد الغربة، بل كانا انعكاسًا صادقًا لأمٍ عظيمة، زرعت فيهم الأخلاق والأصالة والقيم النبيلة. رأيت فيهما مروءة الرجال، ورُقي التربية، ونُبل الأخلاق، حتى شعرتُ أنهما ليسا مجرد أصدقاء، بل إخوةٌ كتبهم القدر في صفحات غربتي.

وكم كنتُ ممتنةً لذلك الشعور العفوي الذي جمعنا كعائلةٍ واحدة، حين وجدتُ رجائي ورفيف سندًا لي في غربتي، حضورًا داعمًا في لحظات ضعفي، وأصدقاءً أوفياء لم يُفارِقوا أيامي الصعبة.

حين تُصبح الأخت وطنًا

مرت الأيام، وتوالت المحطات، وكانت غدير دائمًا هناك، بصوتها الذي يشبه موسيقى الأمل، وبكلماتها التي تمسّ الروح كما تمسّ قطرات المطر اليابس من الأرض.

في يوم مناقشتي النهائية، لم يكن في قلبي قلقٌ أو خوف، لأنني كنتُ محاطةً بأرواحٍ صادقة، وبينهم كانت غدير الناجي… الأخت التي لم تكتفِ بالدعاء لي، بل أوصت أولادها: “انتبهوا على الدكتورة تهاني وابنتها، كأنهما أختكم وأهلكم”.

كأنها تُعيد تعريف معنى الأخت في زمنٍ باتت فيه العلاقات هشة، تُعيد إليَّ يقيني بأن الخير ما زال في الدنيا، وأن هناك من يُحبك لذاتك، دون حاجةٍ أو مصلحة.

ولم يكن ذلك الموقف الوحيد، بل إن غدير كانت دائمًا حاضرةً كالوطن في حياتي، تبعث برسالةٍ حين يضيق صدري، تتصل حين تضطرب الأحوال، وتفتح قلبها وبيتها حين تشتد المحن.

حين مرّت مدينتي جنين بأيامها العصيبة، واقتحمها الموت والدمار، وحاصرتني المخاوف والقلق، كان هاتفها يرنّ بصوت الأمان، برسالةٍ اختصرت معاني الإنسانية:


“بيت أختك مفتوح لكِ ولأهلكِ، هل أنتِ بحاجةٍ لشيء؟”

كم من قلوبٍ مرت بنا ولم تقلها، كم من أصدقاءٍ عرفناهم لسنواتٍ ولم يُفكروا بها، لكنها قالتها بقلبها قبل لسانها، بصدقٍ يشبه صدق الأرض لأصحابها، بإحساسٍ يشبه حضن الوطن حين تضيع بنا الدروب.

غدير الناجي… امرأةٌ بحجم الوطن

غدير ليست مجرد امرأة فلسطينية، بل هي الوطن نفسه، تحتضن من يحتاجها، وتُعطي بلا حساب، وتبقى شامخةً رغم كل الصعوبات.

فيها من صبر القدس، ومن كبرياء نابلس، ومن صمود غزة، ومن روح جنين، ومن نقاء رام الله، ومن عناد الخليل. إنها لوحةٌ فلسطينيةٌ مكتملة، لا ينقصها سوى أن تُكتب قصتها في صفحات المجد.

شكرًا لأنكِ الأثر الذي لا يُنسى

إلى غدير الناجي، أختي التي أهدتني إياها الأيام، وصديقتي التي لم يخذلني قلبها يومًا،
شكرًا لأنكِ كنتِ إلى جانبي دائمًا،


شكرًا لأنكِ أثبَتِّ لي أن الصداقة الصادقة لم تنقرض، بل ما زالت تعيش في قلوب من يشبهونكِ.
شكرًا لأنكِ كنتِ دائمًا الأمان حين كانت الحياة تُخيفني، والنور حين كانت الدروب تظلم، والصوت الذي يُعيد إليَّ يقيني بأن الخير ما زال موجودًا.

دام أثركِ الطيب، ودامت روحكِ النقية، ودامت صداقتكِ تاجًا يُزيّن أيامي، فالأخوة لا تحتاج دمًا واحدًا، بل تحتاج قلوبًا صافيةً كتلك التي تحملينها في صدركِ يا أم رجائي ورفيف.

شاهد أيضاً

قوات الاحتلال تحتجز مواطنين من بلدة الخضر جنوب بيت لحم

قوات الاحتلال تقتحم بلدة الخضر جنوب بيت لحم

شفا – اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، مواطنين من بلدة الخضر جنوب بيت لحم، …