
الإعلامية هبة الجزرة ، وجه الخير وإشراقة النقاء ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات
هناك أشخاص يمرون في حياتنا كنسيم الفجر، يتركون أثرًا لا يُمحى، ويغرسون في أرواحنا بذور الامتنان والاعتزاز، فلا نملك إلا أن نحفظ لهم في القلب مكانًا لا يزول. وهناك من تكون معرفتهم أشبه بهبةٍ ربانية، تأتي في لحظةٍ غير متوقعة، لكنها تفتح أمامك أبوابًا من النور والنجاح. والإعلامية هبة الجزرة واحدةٌ من هؤلاء، امرأةٌ لا تشبه إلا النقاء في أصفى صوره، والاحترام في أرقى تجلياته، تفيض كلماتها دفئًا، ويبعث حضورها طاقةً إيجابيةً تُضيء القلوب قبل الأماكن.
صدفةٌ صنعت تاريخًا… وربَّ صدفةٍ خيرٌ من ألف ميعاد
لم تكن معرفتي بالإعلامية هبة الجزرة أمرًا خططت له أو انتظرته، لكنها كانت من تلك الأقدار الجميلة التي يصعب أن تتكرر. في بداية مشواري الأكاديمي، حين كنت أخطو خطواتي الأولى نحو عالم البحث والإنجاز، جاءني اتصالٌ لم أكن أتوقعه، لكنني ما زلت أذكره حتى اليوم وكأنه بالأمس القريب.
رنَّ الهاتف، وحين أجبت، جاءني صوتٌ هادئٌ وراقٍ، يحمل في نبراته ثقة الإعلاميين ورُقيّ المثقفين، قالت بكل ودٍّ واحترام:
“الأستاذة تهاني بشارات، معك الإعلامية هبة الجزرة، أود التواصل معك لإجراء مقابلة إذاعية عبر أثير الجامعة العربية الأمريكية، حول قصة نجاحك، وبمناسبة يوم المعلم الفلسطيني.”
كانت تلك الكلمات كالمفاجأة السعيدة، لحظةً شعرتُ فيها بأن جهدي بدأ يجد صداه، وأن صوتي سيصل إلى مسامع الآخرين من خلال منصةٍ تحمل الاحترام والمهنية. وافقتُ على الفور، وفي داخلي فرحةٌ ممزوجةٌ بالرهبة، فأول لقاءٍ إذاعي لأي شخصٍ يظل محفورًا في الذاكرة كالنقش على الحجر.
لقاءٌ من نوعٍ خاص… العفوية التي تصنع الجمال
حين حلَّ يوم اللقاء، كنت متحمسةً، لكنني كنت أيضًا أتساءل: كيف سيكون الحديث؟ هل سأشعر بالراحة أم سيكون الأمر رسميًا ومُرتبكًا؟ لكن ما إن بدأت المقابلة حتى تبددت كل مخاوفي، وكأنني أجلس مع صديقةٍ قديمة، تعرفني منذ سنوات، وتحاورني بحبٍّ واهتمامٍ حقيقي.
كانت هبة الجزرة مذيعةً من طرازٍ فريد، تمتلك قدرةً عجيبةً على جعل ضيفها ينسى أنه في بثٍّ مباشر، فتسير المحادثة بسلاسةٍ ودفء، وكأنها جلسةُ حوارٍ بين قلبين، لا بين مذيعةٍ وضيف. أسئلتها كانت عميقةً ومُلهمة، تختار كلماتها بدقةٍ وذكاء، تُبرز نقاط القوة، وتسرد القصة بأسلوبٍ يجعل المستمع يعيش اللحظة وكأنه يراها بعينيه.
في ذلك اللقاء، شعرتُ وكأنني أتحدث مع مرآةٍ تعكس جهودي، وكأنني أسمع نجاحي يُروى من جديد، لكنه هذه المرة كان يصل إلى آذان الآخرين. كنت أشعر بطاقةٍ جميلةٍ تسري في الأجواء، وكأن الكلمات كانت تخرج مُحملةً بأمنيات الخير والتوفيق.
هبة الجزرة… وجه الخير وإشراقة الأمل
مرَّ اللقاء، لكنه لم يكن مجرد محطةٍ عابرة، بل كان بدايةً لسلسلةٍ من النجاحات والإنجازات التي توالت تباعًا، وكأن صوتي الذي انطلق عبر أثير الإذاعة كان مقدمةً لمزيدٍ من العطاء والتألق. ومنذ ذلك اليوم، صرت أؤمن أن هناك أشخاصًا يكونون بمثابة طاقةٍ إيجابيةٍ تمشي على الأرض، أينما حلّوا جلبوا الخير، وأينما نظروا أشعلوا شموع الأمل.
لم تكن هبة الجزرة مجرد مذيعةٍ أجرت مقابلةً عابرة، بل كانت وجه الخير الذي أضاء لي طريقًا جديدًا، كانت نافذةً فتحها القدر، فأطللتُ منها على عالمٍ أكثر إشراقًا، كانت يدًا امتدت نحوي في لحظةٍ كنت بحاجةٍ فيها إلى الدعم والتشجيع.
شكرٌ من القلب… لمن يستحقه القلب
قد تمرُّ السنوات، وقد تتغير الظروف، لكن هناك أشخاصًا يظلون في الذاكرة كعلاماتٍ مضيئة، تمامًا كما تظل النجوم ثابتةً في السماء مهما تعاقبت الفصول. والإعلامية هبة الجزرة واحدةٌ من أولئك الذين يتركون بصمةً لا تزول، ويرسمون في القلوب أثرًا لا يُمحى.
لهذا، من أعماق قلبي، أقول لكِ شكرًا… شكرًا لأنك كنتِ أول من منحني فرصةً لإيصال صوتي عبر الأثير، شكرًا لدعمكِ الذي لم يكن مجرد كلماتٍ عابرة، بل كان طاقةً مُحفزةً امتدت آثارها إلى اليوم. شكرًا لروحكِ النقية، ولعفويتكِ التي جعلت اللقاء تجربةً لا تُنسى.
أنا فخورةٌ بمعرفتكِ، وممتنةٌ للصُدفة التي جمعتني بكِ، ومؤمنةٌ بأن الخير الذي تمنحينه للآخرين سيعود إليكِ أضعافًا. لأنكِ كنتِ وما زلتِ وجه الخير، وإشراقة الأمل، والصوت الذي يحمل في نبراته احترام المهنة، وصدق الرسالة، وجمال الروح.
لكِ مني كل التقدير… وكل الاحترام… وكل الدعوات الصادقة بأن يظل نوركِ مشرقًا كما كان دائمًا.