3:38 مساءً / 14 مارس، 2025
آخر الاخبار

حتى لا يُقال لليسار… إلى اليمين دُر ، بقلم : طاهر تيسير المصري

طاهر تيسير المصري

حتى لا يُقال لليسار… إلى اليمين دُر ، بقلم : طاهر تيسير المصري

قد يكون الحديث عن دور اليسار الفلسطيني في هذه المرحلة، نوعاً من الترف الفكري، وقد يكون نوعاً من اللوم، أو التحسر، أو أطلقوا على هذا الفعل من شئتم من أوصاف، ولكن يبقى الثابت هو أن القوى اليسارية الفلسطينية لعبت دوراً مبكراً ومهماً في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وكان لها بصمات واضحة في مفاصل تاريخية مهمة.

واسمح لنفسي هنا الادعاء بأن الواقع الفلسطيني ما زال بحاجة كبيرة لدور اليساريين كقوى وكأفراد، من منطلق أن الاحتلال لا يزال جاثماً على صدورنا، وأننا كشعب لم ننجز، ما نُضحي جميعاً من أجله، وهو حقنا في التحرر والعودة والدولة، أو بلغة أخرى لم نحصل بعد على حقنا الطبيعي والقانوني في تقرير المصير، ولا زلنا في صراع مع الاحتلال، وبالتالي فهناك ضرورة لوجود قوى قادرة على إعادة إنتاج الخيار الثوري بشقيه، النضالي التحريري، والاجتماعي الاقتصادي الثقافي كقضايا داخلية تؤثر في مدى فاعلية ونجاح الشق الاول.


يقول المفكر اللبناني مهدي عامل بما معناه بأن التغيير والممارسة الثورية والصراع الطبقي والإرادة كلها عناصر مهمة على الحزب امتلاكها، والأيديولوجيا حلقة وعنصر مهم، ليس في الإطار النظري، بل بمدى تجليها بالممارسة، والحزب الماركسي بالأخص، يجب أنْ ينتج الخيار الثوري، ويعمل من أجل إنضاج عناصر الثورة.


ماذا لدينا الآن؟، لا أجد أي صعوبة بالإجابة على هذا السؤال، بحكم أن قوى اليسار بمجملها الآن وضعت نفسها في خانة “المعارضة الناعمة”، وبإرادتها التامة حصرت دورها في إصدار البيانات، والتحليل السياسي، والمشاركة في الوقفات أو الاعتصامات، ونقد أفعال السلطة، وفي أحسن أحوالها عملت على خلق “تكتلات” فيما بينها وتحالفات مع بعض الشخصيات اليسارية، والمؤسسات الأهلية المحسوبة على اليسار، لإحداث اختراق ما في الحالة الفلسطينية، ولكن دون جدوى، لأنها، عن قصد أو عن غير قصد، عملت بنفس الأدوات وبذات الشخوص التي أوصلت اليسار الفلسطيني إلى هذه الحالة، والتي أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها حالة شلل تام، لا تقوى بمجملها، على حشد ألف شخص باعتصام سلمي، من أجل قضية وجودية مثل الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من تشرين الأول 2023.


لم تعد قوى اليسار تًنتج فكراً، وتعجز عن خلق “القدوة” الثورية بالمعنى الاجتماعي أو الثقافي أو حتى النضالي، وبقيت تتغنى بماضيها، وتمسكت بقيادات، للأسف، لم تعد ترى إلا نفسها، والتغييرات في مكاتبها السياسية أو لجانها المركزية لا يتعدى كونه تغيراً شكلياً معد له مسبقاً ومغلف بقالب ديمقراطي وهمي، فلم تلتفت هذه القوى إلى أهمية التجديد وإعداد قيادات شابة قادرة على التعامل مع المتغيرات المتسارعة ليس فقط سياسياً، وسياساتياً، وإنما أيضاً تكنولوجياً، فالتكنولوجيا اليوم أصبحت أداة من أدوات النضال والتأثير في الرأي العام، وهي أبلغ بكثير من أي خطاب ثوري مًكرر يلقيه هذا القائد أو ذاك أمام الجماهير، التي لا يصل عددها في أحسن الأحوال إلى مئة شخص، والتي عادة ما تراهم في كافة “الاحتفالات الثورية”.


فنحن أصبحنا نتحدث فقط مع أنفسنا، وفشلنا، حتى الآن، في الممارسة الثورية على الصعيد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، بعدما فشلنا على الصعيد السياسي الداخلي، وفي مواجهة سياسات الاحتلال على الأرض، وبذلك فقد اليسار كل و/أو معظم أدواته في التأثير، فالايدلوجيا يجب أن ترتبط بالممارسة الصادقة والفعلية حتى نصل إلى إنضاج عناصر التغيير بكافة مستوياته وأشكاله.


أتفق أنه ليس عدلاً وضع كل قوى اليسار في سلة واحدة، ولكن الطابع العام لها لا يظهر تباين مفصلي بينها. ولو بدأنا القول بأن “أوسلو” هو بداية تلاشي قوى اليسار، لفشلها في التعامل مع الوضع الذي أنشأه هذا الاتفاق، فمنهم من أراد إعطاء فرصة لإنجاحه، وعليه شاركوا وتعاملوا مع هذا الواقع وتورطوا به، وحصلوا على حصتهم من “الكعكة”، ولأسباب معروفة لدى الجميع، مع مضي الوقت، انفضت معظم قواعد هذه التنظيمات عن قياداتها التي ارتبطت عضوياً مع النظام “الزبائني” الذي تأسس مع توقيع “أوسلو”. ومنهم قوى يسارية عارضت علناً هذا الاتفاق ووقفت ضده، بحكم أن مآل استثمار تضحيات الانتفاضة الفلسطينية الكبرى (1987)، لا يمكن أن يكون باتفاق سياسي هزيل سيخلق طبقة سياسية واقتصادية واجتماعية منتفعة من وجود واستمرار الاحتلال، ويتجاوز حق العودة، ويحول السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني إلى كتلة بشرية تبحث عن قوت يومها، وعن خلاصها الفردي، وهذا فعلاً ما حصل، ونعيشه الآن بكل تفاصيله.


تباين قوى اليسار في تعملها مع الاتفاق، وما نتجه عنه لاحقاً من تغييرات جذرية في الواقع الفلسطيني، لا ينفي حقيقة أن جميعها فشل في العمل بشكل فاعل وجدي وتراكمي على القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية المُستَجَدة، والذي كان أحد أبرزها تهميش الشتات الفلسطيني، واضمحلال الطبقة الوسطى وإفقار المواطن، وتغول رأس المال، واستفحال الفساد بشتى أشكاله، وغياب الفعل الجماعي، واستئثار فئة قليلة بالقرار واختطافها له، والآن وأمام ما يحدث من إبادة جماعية متعددة الإشكال تستهدف الوجود المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني تقف هذه القوى عاجزة عن فعل شيء، أقله تعزيز صمود المواطنين.


لم تتفاعل قوى اليسار بشكل جدي مع القضايا الحياتية العامة للناس، وبذلك فقدت وعلى مدار أكثر من ثلاثين عاماً قاعدتها الجماهيرية، لا بل ذهبت بعض هذه القوى بعيداً وأصبحت، وبسبب نرجسيتها المفرطة، جزأً من حالة إفقار الجماهير اقتصادياً وثقافياً وفكرياً، وعَدّد هنا ما شئت من حالات الإفقار.


إذا ما بقي حال قوى اليسار هكذا، دون مراجعة نقدية حقيقية تؤشر على الأخطاء والسلبيات، وتنشر غسيلها الوسخ، كي تتخلص من روائحه الكريهة فسيجدون أنفسهم يقولون لأنفسهم “إلى اليمين دُر”. كتبت هذه الكلمات، فقط من باب النقد وضرورة المراجعة، وما تم طرحه هنا يحمل بعضاً من الخطأ كما يحمل بعضاً من الصواب، ولكن كلي قناعة بأن هناك “يساريين” وليس قوى يسارية، لم تفقد البوصلة بعد.

شاهد أيضاً

منى الخليلي

وزيرة شؤون المرأة منى الخليلي تشيد بالتقرير الأممي الذي يؤكد اقتراف الاحتلال جرائم العنف الجنسي

شفا – أشادت وزيرة شؤون المرأة، منى الخليلي، بالتقرير الصادر عن لجنة التحقيق المستقلة التابعة …