3:41 مساءً / 14 مارس، 2025
آخر الاخبار

رمضان شهر العبادات والسلام النفسي ، بقلم : علاء كنعان

رمضان شهر العبادات والسلام النفسي ، بقلم : علاء كنعان

رمضان شهر العبادات والسلام النفسي ، بقلم : علاء كنعان

العلاقة مع الصوم هي علاقة روحية مع الله ، فقد أوصت جميع الديانات السماوية الإنسان بالصيام ، باعتباره وسيلة للتقرب من الخالق والتأمل الروحي، وتطهير للنفس، فهو ليس مجرد طقس ديني أو عادة متوارثة، بل رحلة لاكتشاف جوهر الذات ووسيلة لتهذيب الروح وتعزيز الصبر والإرادة.

ويأتي شهر رمضان متربعا على عرش الشهور بقدسيته ونفحاته الروحانية ، حيث تعمر المساجد بالمصلين، وتتزين البيوت بالفوانيس المضيئة المعلقة على الشرفات ، في مشهد يضفي على الأجواء روحانية وسكينة خاصة.

رمضان هو شهر التغيير الداخلي ، حيث يمكن استغلال روحانيته وقدسيته لنكون أقرب إلى الله ونسعى من خلاله لصنع الأفضل وتحقيق الأمنيات والاستجابة للدعوات . فهو شهر مبارك تتنزل فيه البركات وتستجاب فيه الدعوات ، وفيه ليال وأوقات مباركة .

كما أنه يعزز استشعار النعم التي أنعم الله بها علينا سواء من حيث الطعام أو الأهل أو الصحة أو الستر وغيرها من النعم التي قد نغفل عنها في زحمة الحياة .

شهر رمضان يجمع بين البعد الروحي والاجتماعي، فهو فرصة للتأمل الروحي ، إذ يتميز بطقوس دينية و واجتماعية يؤديها المسلمون فيسعون خلاله إلى تصحيح أخطائهم والابتعاد عن المعاصي وتحسين علاقتهم بالله وتعزيز روابطهم الأسرية والمجتمعية.

الصيام في جوهره ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب ، بل وسيلة لتهذيب النفس وضبط المشاعر والتقرب من الله ، وممارسة التأمل، والعناية بالنفس والآخرين ، ففي هذا الشهر، يجوع الجسد لتشبع الروح، ويظمأ الإنسان ليعرف قيمة الماء الذي يجري بين يديه طوال العام دون أن يفكر فيه.

في كل لحظة عطش، هناك تذكير بنعمة لا تقدر بثمن، وفي كل جوع إحساس بالفقراء الذين يقضون أيامهم على هذا الحال، لا لشهر واحد، بل لسنوات. وهنا تتجسد كلمات شاعرنا الراحل محمود درويش: “وأنت تعد فطورك، فكر بغيرك ” ، فالصيام ليس اختبارا لقدرة الجسد على التحمل فحسب ، بل هو تذكير مستمر بآلام المحتاجين، ودعوة للعطاء والتضامن معهم.

كما أن رمضان يعد شهرا مباركا في الدين الإسلامي فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم وهو مناسبة تجتمع فيها العائلات حول مائدة الإفطار كما تتزايد فيه أعمال الخير والتكافل الاجتماعي.

وكما أن الإسلام يحث على الابتعاد عن العنف والتركيز على تحقيق السلام النفسي والاجتماعي. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابَّك أحد، أو جهل عليك، فقل: إني صائم”. وهذا يبرز أهمية ضبط النفس والابتعاد عن النزاعات، مما يعزز السلم الأهلي والتعايش السلمي.

وفي فلسطين، يتميز رمضان بطابع خيري خاص، حيث تنتشر “التكايا” التي توزع الطعام على الفقراء والمحتاجين، كما تتعاظم فيه أعمال الصدقة. وتشتهر بعض المدن الفلسطينية بمسميات مثل ” المدن التي لا ينام فيها جائع ” خلال رمضان، نظرا لكثرة موائد الرحمن والتبرعات الخيرية.

و تتجلى في فلسطين أرقى صور التعايش والتسامح ، حيث نرى، على سبيل المثال في نابلس ، شابا مسيحيا ومجموعته يوزعون الماء والتمر على الصائمين المتأخرين في الشوارع، في مشهد يؤكد أن الأديان ليست عائقا أمام الإنسانية ، بل يمكن أن تكون جسرا للمحبة والتعاون بين الناس .

يأتي رمضان هذا العام ، ونحن نحمل في قلوبنا احزانا وألما يثقل الأرواح ، ولكن هذا الشهر يذكرنا دائما بأن الصبر يفتح لنا أبواب الرحمة وان الجوع يعلمنا قيمة العطاء ، ويحثنا على قيم التسامي فوق الألم، والتمسك بالأمل، والبحث عن السلام الداخلي وسط كل الفوضى التي تحيط بنا.

وفي ظل التحديات التي يواجهها شعبنا الفلسطيني، بات من الضروري التركيز على العبادات والقيم الروحية خلال هذا الشهر ، والابتعاد عن النزاعات الداخلية و التركيز على العبادة والتقرب إلى الله لتعزيز الوحدة والتماسك الاجتماعي، وللتقليل من التوترات التي قد تعكر صفو هذا الشهر الفضيل.

في رمضان، لا تصم عن الطعام فقط، بل عن كل ما يثقلك ويبعدك عن حقيقتك ، رمضان هو لقاء مع ذاتك، فكن حاضرا فيه بروحك قبل جسدك.

شاهد أيضاً

واقع جديد يتشكل بعد 7 أكتوبر ، بقلم : سنية الحسيني

واقع جديد يتشكل بعد 7 أكتوبر ، بقلم : سنية الحسيني تحاول إسرائيل منذ حدوث …