
أم مهند “السيدة معزز الخويلدي” ، السيدة التي تحمل في قلبها وطنًا من النبل والكرم ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في مسيرة الحياة، نلتقي بأشخاصٍ يتركون في أرواحنا بصماتٍ لا تُمحى، وأثرًا خالدًا يعبرُ بنا من محطات الغربة إلى دفء الألفة، ومن مشاغل الأيام إلى لحظاتٍ تُزهر فيها الإنسانية بأجمل معانيها. من بين هؤلاء، كانت الصديقة العراقية أم مهند، المرأة التي التقيتُ بها في ماليزيا، والتي لم تكن مجرد صديقةٍ عابرة، بل كانت روحًا صافيةً تحملُ في قلبها وطنًا من النبل، وتفيضُ بالكرم العراقي الأصيل.
لقاءٌ يحملُ عبقَ الطيبة والأخلاق
تعرفتُ على أم مهند من خلال دكتورةٍ صديقةٍ لنا، ومنذ اللحظة الأولى، شعرتُ أنني أمام امرأةٍ تحمل في ملامحها وابتسامتها شيئًا من دفء العراق وعبق نخيله. لم تكن مجرد سيدةٍ التقيتها في رحلة علمية، بل كانت مثالًا حقيقيًا للمرأة العربية الأصيلة، التي تعكسُ في تعاملها الطيبة والكرم، والتي تمنحُ من حولها طاقةً إيجابيةً تشبهُ ضوء الشمس حين يلامسُ وجه الأرض في صباحٍ مشرق.
كانت ترافق ابنها، الدكتور مهند، خلال دراسته في ماليزيا، وكانت مثالًا للأم التي تُضيء طريق أبنائها بحبها وحنانها، وتهبُ لهم كل ما تستطيع من دعمٍ واحتواء. وفي كل لقاءٍ معها، كنتُ أزداد يقينًا بأنني أمام إنسانةٍ تحملُ في قلبها مساحاتٍ واسعةً من العطاء، ولا تبخلُ أبدًا بأن تزرعَ الفرح في قلوب من حولها.
موقفٌ لا يُنسى… من النجاح إلى الوفاء
بعد مرور عام، عدتُ إلى ماليزيا لإتمام مناقشتي النهائية، وكان جدول أيامي مزدحمًا بالتجهيزات والتحضيرات، لكن وسط هذا الانشغال، لم تغب عني أم مهند، فقد كانت تتواصلُ معي باستمرار، وكأنها تريد أن تُذكّرني بأن هناك من يهتم، من يفرحُ لفرحي، ومن يشاركُني هذه اللحظات التي تعني لي الكثير.
ورغم أن مكان سكنها يبعدُ عن مكاني حوالي ساعتين، إلا أن المسافة لم تكن يومًا حاجزًا أمام قلبها الكبير. وحين علمت بنجاحي، لم تكتفِ برسالة تهنئةٍ أو اتصالٍ عابر، بل أصرت على القدوم إليّ بنفسها، لتحمل معي فرحة الإنجاز، وتشاركني لحظة الانتصار بكل حبٍ وسعادة. لم تأتِ وحدها، بل جاءت تحملُ معها دعوةً كريمةً للإفطار، دعوةً لم تكن مجرد وليمة طعام، بل كانت وليمة محبة، فيها من دفء العراق بقدر ما فيها من نكهة المودة والوفاء.
وكأن ذلك لم يكن كافيًا، فقد أحضرت لي هديّةً جميلةً تعبيرًا عن حبها، ولم تنسَ ابنتي، فقدمت لها أيضًا هديةً خاصة، وكأنها تريد أن تقول لي: “فرحتكِ فرحتي، ونجاحكِ نجاحي.”
أثرٌ خالدٌ لا يزول
ليس الجميع قادرًا على ترك أثرٍ يبقى رغم مرور الأيام، ولكن أم مهند كانت من أولئك الذين لا يمكن أن ينساهم القلب، ولا أن تمحو ذكراهم ذاكرة الأيام.
إلى الصديقة العزيزة، السيدة التي تحملُ في قلبها من النقاء ما يجعلها استثناءً، أقول:
“شكرًا لكِ، ليس فقط لأنكِ كنتِ هناك في لحظات نجاحي، ولكن لأنكِ كنتِ مثالًا للصداقة الحقيقية، والأخلاق النبيلة، والكرم الذي لا يُنسى. شكرًا لأنكِ منحتِني شعورًا بأن الغربة قد تصبحُ وطنًا حين نجدُ فيها قلوبًا كقلوبكم. شكرًا لأن أثركِ خالدٌ في قلبي، ولأن ذكراكِ ستظلُّ دائمًا عنوانًا للوفاء والتقدير.”
“هناك أشخاصٌ لا يحتاجون إلى أن يكونوا معنا كل يوم، لكن مجرد وجودهم في حياتنا يجعلها أجمل، وأم مهند واحدةٌ منهم.”
