
الأستاذ المحامي جندل صلاح ، الجار الذي أصبح أخًا، والإنسان الذي يعكس طيب الأصل ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات
في هذه الحياة، نلتقي بأشخاص يمرّون كعابر سبيل، نلتقيهم ثم نفترق دون أن يتركوا أثرًا، ولكن هناك آخرون يمنحون الحياة طعمًا مختلفًا، يتركون بصمتهم في القلب دون أن نشعر، فتتحول المعرفة العادية إلى أخوّة حقيقية، والصداقة العابرة إلى علاقة متينة قائمة على الاحترام والتقدير.
حين نتحدث عن هؤلاء الأشخاص، لا بد أن نذكر الأستاذ المحامي جندل صلاح، الإنسان الذي جمع بين الأخلاق الرفيعة، والعلم الغزير، والتواضع النادر، والنخوة التي تذكرنا بأصالة الزمن الجميل.
بداية الحكاية… عندما يختبر الله القلوب
لم يكن لقاؤنا الأول مجرد مصادفة عابرة، بل كان موقفًا يحمل في طيّاته رسالة واضحة بأن الخير ما زال يسكن بين الناس. كان مكتبه يجاور مركز “تاليا للتميز”، حيث كنت أعمل وأسعى جاهدًة لإنجاح هذا المشروع التعليمي. في أحد الأيام، تعطّلت آلة الطباعة لدينا في المركز، وكانت تلك اللحظة اختبارًا غير مباشر للأشخاص المحيطين بنا.
لم تمر دقائق حتى تقدم الأستاذ جندل، وبكل كرم ونخوة، ليمدّ لنا يد العون دون تردد، دون انتظار شكرٍ أو مقابل، وكأنما كان يسابق الزمن ليحل المشكلة قبل أن نشعر بها حقًا. لم يكن ذلك التصرف مجرد مساعدة عابرة، بل كان دليلًا على أصل طيب، ورجلٍ تربّى على مبادئ الشهامة والنبل.
علاقة تتطور… وتتحول إلى أخوة حقيقية
مرت الأيام، وكما يُقال: “من عرف الرجال عرف معادنهم”، فلم يكن الأستاذ جندل مجرد جار طيب، بل كان إنسانًا راقيًا يحمل في قلبه حب العلم والتعلم. ولم يكن ذلك غريبًا، فقد قرر بنفسه تسجيل أولاده في مركز “تاليا للتميز”، ليخوضوا تجربة تعلم المحادثة باللغة الإنجليزية.
كم كان رائعًا أن ترى رجلًا مشغولًا بمهنته العريقة، لكنه في ذات الوقت يحمل رؤية واضحة لمستقبل أبنائه، يؤمن بأن العلم هو السلاح الحقيقي، وأن الاستثمار في العقول هو أعظم استثمار.
وهنا تجلى وجه آخر من شخصيته الراقية، فقد كان حاضرًا دائمًا، متابعًا لتطور أبنائه في المركز، يتعامل مع الجميع بتواضعٍ واحترامٍ لا حدود له، هو وزوجته الفاضلة، التي لم تكن أقل منه رقيًا وتواضعًا.
العلم يجمعنا… تعاونٌ يثمر نجاحات
لكن هذه العلاقة لم تتوقف عند حدود الجيرة أو تسجيل أبنائه في المركز، بل امتدت لتتجاوز ذلك إلى مجال التعاون الأكاديمي والبحثي. وكم كانت تجربة ثرية أن نجد شخصًا مثل الأستاذ جندل، يمزج بين خلفيته القانونية الدقيقة، وحبّه للبحث والاستكشاف، وشغفه بالمساهمة العلمية.
تعاونّا في أكثر من بحث علمي، وكانت كل تجربة معه تحمل درسًا جديدًا في الاجتهاد، في الإصرار، في الرغبة الحقيقية في تقديم معرفة ذات قيمة. فهو ليس مجرد محامٍ بارع، بل رجل يحمل بداخله روح الباحث، وعقل المفكر، وطموح الإنسان الذي لا يملّ من السعي نحو الأفضل.
جندل صلاح… حين يصبح الجار أخًا، والعلم رسالة حياة
أن يكون لك جار صالح، فذلك نعمة عظيمة، ولكن أن يتحول هذا الجار إلى أخ، إلى سند، إلى نموذج مشرف للإنسان الراقي، فذلك هدية نادرة لا تُمنح للجميع.
الأستاذ جندل صلاح لم يكن مجرد شخص مرّ في حياتي، بل كان أحد الذين أثبتوا لي أن الخير لا يزال موجودًا، وأن هناك رجالًا يحملون في قلوبهم من النقاء ما يجعلهم نورًا في حياة من حولهم.
شكرًا لك أستاذ جندل، لأنك كنت أكثر من محامٍ، وأكثر من جار، وأكثر من صديق، كنت مثالًا للإنسان الذي يجمع بين النخوة والعلم، بين التواضع والتميز، بين العطاء بلا مقابل، والإيمان بأن النجاح الحقيقي هو الذي يُبنى مع الآخرين، لا على حسابهم.
دمتَ مثالًا يُحتذى، ودمتَ سندًا لكل من عرفك.