
الرقص الشرقي والسياسة العربية: الطبال واحد والراقصون كُثُر ، بقلم : المهندس غسان جابر
في هذا الزمن العجيب، لم يعد الرقص الشرقي مجرد حركات جسدية تتقنها الراقصات في الملاهي الليلية، بل أصبح فنًا سياسيًا يمارسه بعض الزعماء العرب بإتقان يحسدهم عليه حتى أشهر نجوم الكباريهات. الفرق الوحيد أن هؤلاء الراقصين لا يهزون أردافهم فحسب، بل يهزون أوطانهم وقضايا شعوبهم على إيقاع الطبول السياسية التي تُقرع من البيت الأبيض.
الطبّال السياسي: من يحمل العصا؟
في أي فرقة استعراضية هناك طبّال، دوره أساسي في ضبط الإيقاع، لكن في السياسة العربية الحديثة، الطبّال معروف، وهو يجلس هذه الأيام في واشنطن، في المكتب البيضاوي، ويمسك بالعصا التي يستخدمها متى شاء ليُحدد إيقاع الرقصة. سابقًا كان ترامب يحمل هذه العصا، واليوم عاد ليقرع الطبول مجددًا، ولكن بإيقاع أشد عنفًا، يقترح تهجير أهالي قطاع غزة كما لو كانوا أرقامًا يمكن شطبها من معادلة الوجود الفلسطيني.
أما الراقصون، فهم أنفسهم، لم يتغيروا. تتغير الوجوه، لكن الرقصة تبقى هي ذاتها: هرولة نحو التطبيع، انبطاح تحت شعارات “السلام”، وتقديم تنازلات مجانية مقابل سراب اقتصادي لا يسمن ولا يغني من جوع. والنتيجة؟ فلسطين لم تعد مجرد قضية منسية، بل تحولت إلى طاولة قمار، يضع عليها الزعماء العرب رهاناتهم، بانتظار إشارات الطبال الكبير في واشنطن.
ترامب: الرقص على جثث غزة
ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض كما يعود نجم السيرك إلى خيمته، لم يضيع وقتًا في إلقاء العروض البهلوانية. هذه المرة، قرر أن يقدم مقترحًا أكثر “إبداعًا”: تهجير أهالي غزة!
نعم، بكل بساطة، وكأن القطاع المُحاصر ليس موطنًا لمليوني إنسان، وكأن الفلسطينيين مجرد بيادق يمكن تحريكهم من رقعة إلى أخرى. المدهش في الأمر ليس مقترح ترامب، فهو ليس أول من يطرح فكرة التهجير القسري، بل الاستجابة العربية الباهتة، التي لم تتجاوز همسات خجولة، تشبه اعتراضات راقص مبتدئ لم يتقن الحركات بعد.
في الماضي، كانت القضية الفلسطينية تُعتبر خطًا أحمر، واليوم تحولت إلى بساط أحمر يُفرش لاستقبال أي مسؤول أمريكي أو إسرائيلي يرغب في زيارة العواصم العربية، بينما يتم التضييق على الفلسطيني في أرضه، ويُحاصر في لقمة عيشه، وكأن وجوده بحد ذاته خطيئة يجب تصحيحها!
الجمهور يرفض التصفيق
لكن أين الجمهور؟ أين الشعوب العربية؟ الحقيقة أن الشعوب ليست مدعوة إلى هذه الحفلة، بل طُلب منها التصفيق فقط، والقبول بالأمر الواقع، والإيمان بأن التطبيع هو الحل، وأن تهجير الفلسطينيين قدر لا مفر منه.
لكن الشعوب ليست مغفلة كما يظن الراقصون. ورغم كل هذا التطبيل والرقص السياسي، تبقى فلسطين قضية محفورة في الضمير العربي، حتى لو حاولوا طمسها بمشاريع وهمية وشعارات خاوية.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: إلى متى ستستمر هذه الرقصة؟ ومتى ستتوقف الموسيقى؟ لأنه عندما يسكت الطبل، سيجد الراقصون أنفسهم عراة أمام شعوبهم، بلا أقنعة، وبلا تصفيق، وبلا شرعية.
م. غسان جابر (قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)