
المرأة الفلسطينية في يومها العالمي بين أنقاض الحرب ونور الصمود ، بقلم : محمود جودت محمود قبها
في يوم المرأة العالمي حيث يحتفي العالم بتضحيات النساء وعطائهن نقف أمام مشهد استثنائي لا يشبه غيره حيث تكتب المرأة الفلسطينية قصتها بمداد من الدم وترسم على جدار الذاكرة لوحة من الصمود الأسطوري فبينما تُرفع الشعارات عن حقوق المرأة والمساواة والكرامة الإنسانية تئن نساء غزة تحت وطأة المجازر ويُسدل الستار على أحلامهن في غياهب الألم والموت واللجوء.
المرأة الفلسطينية جسدٌ ينزف وروحٌ لا تنكسر لم تكن المرأة الفلسطينية يومًا مجرد شاهد على نكبات وطنها بل كانت وما زالت قلبه النابض بالحياة رغم كل المحن فهي التي ودّعت أبناءها وهم شهداء واحتضنت أزواجها في أكفان بيضاء وأمسكت بيد الطفولة وهي تتلاشى تحت الأنقاض في غزة حيث تشتد وحشية الاحتلال تبدو أرقام الشهداء والجرحى مجرد إحصائيات صامتة لكن خلف كل رقم قصة أم احترق قلبها وزوجة وجدت نفسها فجأة وحيدةً في مواجهة الحياة وطفلة تبحث عن حنان ضائع بين حطام البيوت ١٢٣١٦ شهيدة رحلن وفي أعينهن ألف حلم لم يتحقق وحضن كان من المفترض أن يكون ملاذًا دافئًا لأطفالهن لكنه أصبح جدارًا من الغياب والوجع.
١٣٩٠١ أرملة وجدن أنفسهن في مواجهة حياة قاسية دون شريك أو معيل يواجهن الحصار والجوع والفقر والحرمان ويخضن معركة البقاء بكل ما تبقى لهن من قوة أمومة تُسرق ووطن يُنهش في غزة لا ترفل الأمهات بثياب الفرح بل يحملن على أكتافهن توابيت صغيرة يودعن أطفالهن بابتسامة دامعة ويرددن في صبر الأنبياء “إنا لله وإنا إليه راجعون” ١٧ ألف أم ثكلت فلذات أكبادها فأصبحن يقفن بين القبور ينادين أسماء من رحلوا ويسردن حكايات لم يعد هناك من يستمع إليها .
وفي زوايا المشافي المهدّمة تُنجب الأمهات تحت القصف حيث يتحوّل المخاض إلى معركة أخرى من الألم والموت ويولد الأطفال بين الركام ليكون أول مشهد يبصرونه هو رماد الوطن ودموع الأمهات ٥٠ ألف امرأة حامل أنجبن في ظروف غير إنسانية حيث لا مشافي ولا أطباء ولا حتى فرصة لاحتضان المولود الجديد بعيدًا عن صوت الانفجارات.
أجسادٌ تتألم وأرواحٌ تأبى الانكسار ليست الحرب مجرد قذائف وانفجارات بل هي أيضًا أوبئة تحاصر الأحياء وبيئة صحية تتهاوى وواقع يزرع الموت حتى في الأجساد التي نجت من الرصاص ١٦٢ ألف امرأة أصبن بأمراض معدية بسبب التلوث وانهيار النظام الصحي بينما ٢٠٠٠ امرأة وفتاة فقدن أطرافهن وأصبحن أسيرات الإعاقة بعدما كانت أقدامهن تسابق الريح وأيديهن تخط مستقبلاً كان من المفترض أن يكون أكثر عدلاً ورحمة.
الاعتقال والتعذيب حين تتحول السجون إلى مقابر للأحلام وفي ظلمة الزنازين هناك نساء قيد الاعتقال تُنتهك كرامتهن ويذقن مرارة التعذيب لا لشيء سوى أنهن حملن راية وطن وقلن “لا” للظلم بعضهن أمهات تركن خلفهن أطفالاً لا يعرفون سوى ملامح أمهاتهم في الصور وبعضهن فتيات في عمر الزهور اختُطفن من بيوتهن وتُركت أرواحهن معلّقة بين الأمل واليأس .
يوم المرأة العالمي احتفالٌ بطعم الدموع والدم في يوم المرأة العالمي تتزين شوارع العالم بالورود وترتفع اللافتات التي تتغنى بحقوق النساء بينما في فلسطين تُحفر أسماء النساء على شواهد القبور وتُغسل ملابسهن بالدموع قبل أن توارى الثرى.
فما نفع الاحتفالات إن كانت المرأة الفلسطينية تُقتل وتُهجّر وتُحاصر وتُعذّب؟ ما معنى العدالة إن كانت حقوقها تُدهس تحت جنازير الدبابات؟ لكن رغم كل ذلك تبقى المرأة الفلسطينية أيقونة للصمود ونخلة لا تنحني للعواصف فبرغم الموت تلد الحياة من رحمها وبرغم الدمار.
المرأة الفلسطينية تنسج الأمل من شظايا الحطام هي تلك التي تمشي بين الأطلال مرفوعة الرأس تردد بصوت لا يخفت سنحيا ما بقي لنا من حياة وسنزرع الأمل في كل ركنٍ خذلته الحرب في يوم المرأة العالمي لا نريد خطابات جوفاء ولا احتفالات شكلية نريد عدالةً تُنصف الأمهات الثكالى والنساء المعتقلات والفتيات اللواتي حُرمن طفولتهن نريد أن يتوقف النزيف أن يرحل شبح الحرب أن يكون للمرأة الفلسطينية الحق في الحياة كما للنساء في كل بقاع الأرض فهل يسمع العالم صرخة النساء في غزة؟ أم سيظل الغبار وحده هو الشاهد على وجعهن؟.
باحث في درجة الدكتوراه في العلوم السياسية